أنظمة التداول الآلية
نظام التداول الآلي هو النظام الذي تتخذ فيه جميع القرارات بواسطة برنامج كمبيوتر تم تصميمه لتوليد إشارات الشراء/البيع. على المدى الزمني الطويل، تميل أنظمة التداول الآلية إلى التفوق على نظيرتها التي تعتمد على الحكم الشخصي وهو ما يعزى بصفة رئيسية إلى أن الأنظمة البشرية تتعرض للتشويه بسبب الاندفاع والعاطفة. الميزة الرئيسية التي تتفوق بها البرامج الحاسوبية هي تجنب التقلبات العاطفية من يوم إلى آخر— بما في ذلك مشاعر الجشع والخوف والفخر والغضب وعلاقة كل ذلك بتقييم الشخص لذاته.
تجاوز الإشارات
وبرغم كافة هذه المزايا، يبقى العقل البشري أكثر ذكاءً ودهاءً من أي جهاز أو برنامج كمبيوتر. تستطيع المؤشرات تحديد سلوكيات المتداولين عن طريق الاستعانة ببعض الحسابات الرياضية، إلا أنها وبحكم التعريف تظل متأخرة زمنياً — ويأتي هنا دور العقل البشري والذي بمقدوره اكتشاف وتخيل السلوك البشري بطريقة مباشرة وأكثر سرعة. تظل القيمة التنبؤية للمؤشرات محدودة دائماً فيما تظل الميزة الرئيسية للعقل البشري تكمن في قدرته على توقع سلوك الآخرين بدرجة عالية من الدقة. على سبيل المثال، إذا أتت قراءة مؤشر اقتصادي هام مثل تقرير الوظائف في الولايات المتحدة ضعف القيمة المتوقعة، سيكون بمقدور أي متداول معرفة الأثر اللحظي لتلك القراءة الإيجابية على السوق وكيف سيتفاعل معها باقي المتداولين. على العكس من ذلك، ستعاني جميع أنظمة التداول الآلية، حتى الأكثر تقدماً، من بعض التأخير حتى تحصل على دلالات سعرية للتفاعلات اللاحقة على صدور التقرير الاقتصادي، ثم تستغرق بعض الوقت في تسجيلها وتضمينها داخل مؤشراتها. هذا هو السبب المنطقي الذي يدفع البعض إلى تجاوز بعض الإشارات الصادرة عن أنظمة التداول الآلية. وبرغم أن هذا التصرف قد لا يكون بالضرورة سيئاً إلا أن لكنه لن يحقق أي فائدة سوى عند استخدامه بشكل متقن مع الاقتصار على الحالات التي يكون فيها التفسير البشري للأحداث متفوق بشكل ملحوظ. بخلاف ذلك، تقول القاعدة الرئيسية أن أنظمة التداول الآلية تستطيع على المدى الطويل التفوق على الحكم البشري بسبب التأثير المدمر لتداخل العواطف مع قرارات التداول.
من الضروري التفكير ملياً في هذه الاعتبارات لأن كل متداول فوركس تقريباً يستخدم إحدى أنظمة التداول الآلية إلى درجة ما بشكل يومي. وفي غالب الأحيان تحقق معظم أنظمة التداول الآلية التي تم تصميمها وتنفيذها بطريقة صحيحة نتائج أفضل من التداول استناداً إلى عوامل المراقبة والغريزة البشرية. لا تكمن المشكلة في أن أنظمة الآلية لا تحقق نتائج معقولة — بل في أن المتداولين لا يقاومون تجاوز إشاراتها. عندما يأتي تجاوز نظام التداول الآلي من متداول لديه المعرفة والخبرة، وامتلاك ما يسمى بالحاسة السادسة، فإن صقل إشارات النظام اعتماداً على التقدير الشخصي سيحقق نتائج أفضل في نهاية المطاف. أما إذا جاء هذا التجاوز من متداول لا يمتلك الخبرة الكافية ويميل إلى التأثر بثرثرة الآخرين فإن التغاضي عن إشارات النظام الآلي لن تقود سوى إلى نتائج أكثر سوءاً.
هذا هو السبب الذي يدفع العديد من مدربي التداول إلى القول بأن عملية المتاجرة برمتها هي رحلة لاكتشاف الذات. إذا كنت تؤمن بوجود أساس علمي يستند إليه التحليل الفني، فلا تحاول تجاوز توصيات النظام الآلي. أما إذا اكتشفت أنك تتجاهل توصيات النظام إلى درجة تحقيق خسائر متتالية فإن ذلك يلقي الضوء بوضوح على أنك تعاني من مشكلة في تحقيق الانضباط الذاتي.
ما هو المؤشر الأفضل؟
لديك حرية الاختيار ما بين شراء نظام للتداول الآلي— هناك المئات المعروضة منها— أو بناء النظام بنفسك. اختيار المؤشرات ليس بالمهمة العسيرة، حيث يمكنك أن تبدأ بقائمة المؤشرات التي يوفرها برنامج أو منصة التداول، ثم تقوم بدراستها بعناية على الرسم البياني واحدة تلو الأخرى. إذا اكتشفت أن المؤشر يساعدك على أن ترى النماذج وتفاصيل الحركة السعرية عندها يمكنك اختياره وضمه إلى قائمتك. واصل اختبار باقي المؤشرات في القائمة حتى تصل في النهاية إلى مؤشر أو اثنين (ولكن ليس أكثر من عشرة) تشعر أنها ستساعدك على تحقيق نتائج جيدة. قم بوضع هذه المؤشرات بعد ذلك على الرسم البياني وابدأ في "تدقيق" الصفقات الناتجة لمعرفة كم كانت منها رابحة وكم كانت خاسرة.
ستكتشف مع مرور الوقت أن مهمة بناء نظام آلي هي أسهل كثيراً من بناء نظام متكامل، وهو ما يعزى إلى أنك ومع مواصلة تعلم التحليل الفني ستكتشف كل يوم تقنية جديدة لم تكن تعرفها، والتي سيبدو بعضها إضافة مثالية للمؤشرات التي تستخدمها بالفعل. يبدو هذا الافتراض صحيحاً في بعض الأحيان ولكن ستكتشف أيضاً أن هناك تعارض بين بعض المؤشرات. على سبيل المثال، يعمل كلاً من مؤشري parabolic SAR وMACD بشكل جيد في توليد إشارات للبيع أو الشراء متقاربة زمنياً، إلا أن كلاهما يندرج ضمن المؤشرات المتأخرة. ولهذا ستكتشف أن بعض المؤشرات الأكثر سرعة مثل RSI و متذبذب الاستوكاستيك تعطي إشارات معاكسة. إذا كنت تفضل تتبع الاتجاه فستلجأ على الأرجح إلى استخدام parabolic مع الماكد. أما إذا كنت تميل إلى تداول الاختراقات السعرية، فإن هذا يعطي وزن نسبي أكبر في استراتيجيتك لمؤشري RSI والاستوكاستيك.
تكمن الفكرة الرئيسية في ضرورة إعطاء أوزان نسبية مختلفة للمؤشرات بحسب الإطار الزمني الذي تتداول عليه وأيضاً أسلوب واستراتيجية التداول الرئيسية التي تتبعها. إذا كان أسلوب تداولك يميل إلى الصبر والانتظار حتى تتأكد من دقة نقطة الدخول، فهذا يعني أنه ستفوتك فرصة الاستفادة من الجزء الأول من الحركة السعرية الجديدة، ولكنه سيحميك في نفس الوقت من الوقوع ضحية الاختراقات الكاذبة. وفي تلك الحالة يمكن القول أن أسلوب تداولك الرئيسي يستند إلى تتبع الاتجاه. أما إذا كانت استراتيجيتك تقوم على اقتناص كافة الفرص المحتملة، عندها ستحتاج إلى تعويد نفسك على قبول نسبة عالية من الصفقات الخاسرة. هذا النمط من التداول يحولك في واقع الأمر إلى فئة متداولي السوينغ. كافة هذه الاختلافات تظل مرتبطة بخطة التداول الأصلية والاستراتيجية الرئيسية التي تتبعها. لا يمكنك أن تتداول كمتتبع للاتجاه وتقتنص في نفس الوقت فرص الاختراق السعري. يجب أن تختار واحدة من بينهما — أو أن تتبع نظامين مختلفين بشرط أن تقسم رأسمالك بينهما. إذا كنت تفضل في بعض الأحيان استخدام المؤشرات المتتبعة للاتجاه بينما تلجأ في أحيان أخرى إلى استخدام مؤشرات الاختراق السعري، عندها سيكون من الصعب الحكم على مصداقية النتائج الافتراضية التي تبنى من اختبارات الأداء السابق.
القفز من أسلوب تداول إلى آخر والتظاهر في نفس الوقت أنك تتبع نظام واحد هو أمر شائع في عالم التداول. يعكس هذا النمط من السلوك غياب التركيز وعدم القدرة على الالتزام بالمنهجية التي تم اختبارها بالفعل، وهو ما يعكس بالضرورة سيطرة الجانب العاطفي على سلوك المتداول. عند المقارنة بين استراتيجيات تتبع الاتجاه والاختراق السعري، فأنت في الغالب ستفضل الأولى عندما تكون خائفاً أو تكبدت مؤخراً بعض الخسائر. أما إذا كنت تميل إلى انتهاز فرص الاختراق السعري، فأنت في الغالب تقع تحت سيطرة الجشع لأن هذه الاختراقات تمثل في نهاية المطاف فرصة لجني أكبر قدر من الأرباح. من المرجح أن تميل إلى اقتناص الاختراقات السعرية إذا كنت قد حققت مؤخراً مكسب كبير (أو ربما تكبدت خسارة فادحة وتشعر باليأس من قدرتك على تعويضها).
يعتبر اختيار المؤشرات عملية تفاعلية تتأرجح جيئة وذهاباً بين أسلوب التداول الذي بدأت العمل به وبين مزايا استخدام المؤشرات الفنية في الوقت الحقيقي. يبدو الأمر أشبه بالمهمة التي تبدأها وتنهمك في تنفيذها ولكن دون أن تكتمل أبداً.
الجمع بين المؤشرات
تحتوي كافة أنظمة التداول تقريباً على محددات للاتجاه (مثل المتوسطات المتحركة، مستويات الدعم والمقاومة، الخ) كما ستجد داخل كل نظام تقريباً مؤشرات لتحديد الاختراق السعري والاختراق المرتقب، مثل القنوات والنماذج ومؤشرات الزخم. أما بالنسبة لكيفية استخدام كلا النوعين من المؤشرات عبر سلسلة من الصفقات، فإن الأمر سيرتكز بالأساس على إجراء اختبارات صارمة لتقييم الأداء السابق فضلاً عن تحقيق الانضباط الجاد. ينصح المحللون دائماً عند اختيار أكثر من مؤشر لنظام التداول بألا تختار مؤشر يرتبط بقوة مع مؤشر آخر، لأنك تبحث في واقع الأمر عن تأكيد للإشارات الصادرة من إحداهما. عندما يعطي المؤشر الثاني إشارة متوافقة مع تلك الصادرة عن المؤشر الأول فإن هذا يزيد من احتمالات نجاح الصفقة. صحيح أن مبدأ التأكيد يظل إحدى الحقائق الراسخة في عالم التداول، إلا أن الجمع بين مفاهيم تقنية متناقضة ليس بالأمر الذي ستجد دراسات وافية عنه. يكتفي خبراء التحليل الفني بالقول "استخدم الإشارات التي تلائم درجة تحملك للمخاطرة" ولكن دون وصف كيفية القيام بذلك. يبدو الأمر مزعج ومحبط في كثير من الأحيان، حيث تتبخر توصيات المحللين الفنيين عندما تصل تداولاتك إلى نقطة حاسمة حتى وإن بدى هذا الانسحاب في نظر البعض مبرراً وضرورياً. الطريقة الوحيدة لاختيار مجموعتك الخاصة من المؤشرات الفنية هو اختبار كل منها على حدا ثم الجمع بينهما في مرحلة لاحقة.
اختبار الأداء السابق
يعتبر إجراء اختبارات دقيقة لتقييم الأداء السابق (الباك تيست) خطوة حاسمة عند اختيار المؤشرات الفنية، سواء كنت بصدد شراء أو اختراع إحدى أنظمة التداول الآلية. ستحتاج إلى توفر عدد كافي من الملاحظات لبناء استنتاجات يمكن الوثوق بها وهو ما يعني إجراء الاختبار على 30 صفقة أو أكثر بحسب إشارات البيع والشراء الصادرة عن مؤشر معين. ستحتاج أيضاً إلى فحص أداء كل مؤشر ثم بعد ذلك تنتقل إلى المرحلة الأكثر تعقيداً والتي تركز على قياس أداء كافة هذه المؤشرات مجتمعة. قد تعجبك خصائص مؤشر معين ولكن تكتشف لاحقاً أنه لا ينسجم مع باقي المؤشرات الأخرى. ربما يعد ذلك هو العيب الرئيسي في مؤشر مثل متوسط الحركة الاتجاهية (ADX) وبعض المؤشرات الأخرى التي تقع تحت نفس الفئة.
الجزء الأصعب في شراء أو بناء نظام تداول— بعد التغلب على مشكلة تجاوز توصيات النظام — هو تطويع قواعدك الخاصة لإدارة الأموال بحيث تتلائم مع المؤشرات التي تنوي استخدامها. يتضمن كل مؤشر دائماً أدواته الخاصة لتوليد إشارات البيع والشراء. وبرغم أن بعض هذه المؤشرات لا يقوم بتلك الوظيفة، مثل النطاقات والقنوات السعرية، إلا أن الصورة الأكثر بساطة من تلك المؤشرات، مثل تقاطع خطوط المتوسط المتحرك، ستكون قادرة على القيام بهذه الوظيفة. ستقوم بالشراء عندما يقطع السعر أو خط المتوسط المتحرك قصير المدى أعلى الخط الأطول زمنياً، بينما تقوم بالبيع عندما يقطعه إلى أسفل. وطالما كانت لديك معاملات قابلة للتغيير، مثل عدد الأيام في المتوسط المتحرك (أو أي مؤشر آخر)، ستجد نفسك منجذباً لتطويع هذه المعاملات حتى تحصل على النتائج التي تريدها. تكمن المشكلة في هذا الإجراء، والذي يطلق عليه الإفراط في التطويع أو تحسين منحنى النتائج، في أن المعامل الذي ستصل إليه قد يكون مثالياً للفترة محل الدراسة بينما قد لا يكون هو الخيار الأفضل عند تغير الظروف لاحقاً.
إذا كنت تفضل التداول استناداً إلى إشارات الماكد، ولكن اكتشفت أن إعدادات المؤشر الافتراضية تعطيك نقاط دخول متأخرة للغاية، فعندها سيتعين عليك الاختيار ما بين تغيير أسلوب تداولك أو التخلي عن الماكد. من النادر أن يحصل متداول الاختراق على إشارات تأكيدية من الماكد في المرة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة بعد حدوث الاختراق السعري. وبالتالي إذا كنت مصراً على استخدام الماكد نظراً لموثوقيته في تداول الفوركس، فسوف تستخدمه كأداة للقيام بصفقات رصينة وهادئة، ولكن ليس كمؤشر لاقتناص نقاط مبكرة في أولى مراحل الاختراق السعري. بعبارة أخرى، يمكنك التداول استناداً إلى الاختراق وتلاشي الاتجاه، ولكن في هذه الحالة سوف تستخدم نقاط وقف محدودة وأهداف ربحية قريبة. كما ستكون مستعد دائماً لعكس وجهة تداولاتك والعودة للمتاجرة في اتجاه الترند الأصلي. هذه الاستراتيجية ليست مريحة من الناحية النفسية ولكن إذا استطعت التحكم في أعصابك فسوف تحقق نتائج جيدة.
النقطة الأساسية التي نود الإشارة إليها هي أن أسلوب التداول— تتبع الاتجاه مقابل الاختراق السعري في هذا المثال— ليس بالشيء الذي يمكن اكتشافه من مرة واحدة، بل ستتعرف عليه بشكل تدريجي من خلال العمل مع المؤشرات واختبار أدائها مرة تلو الأخرى. قد تعتقد في البداية أنك تفضل تتبع الاتجاه بسبب الطبيعة المحافظة لهذه الاستراتيجية ثم تكتشف لاحقاً أنك تفضل تحمل المزيد من المخاطر، وبالتالي تنتقل إلى العمل كمتداول سوينغ. وربما تبدأ عملك وأنت متحمس للعمل كمتداول سوينغ ثم تكتشف لاحقاً أنك أقل ميلاً للمخاطرة وبالتالي تفضل الاستعانة باستراتيجيات تتبع الاتجاه باعتبارها الأكثر ملائمة لسماتك الشخصية.