عقود النفط الآجلة صعدت إلي قمة قياسية جديدة عند 70.85$ في 30 أغسطس أب الماضي, بعد يوم واحد من إعصار كاترينا والذي أغرق ساحل خليج المكسيك في الولايات المتحدة . وبرغم ان أسعار النفط تراجعت في الأسابيع اللاحقة, فان الأمر يستحق دراسة تأثيرات ارتفاع أسعار السلع وشبح التضخم علي سوق العملات الأجنبية أو الفوركس خاصة بالنسبة للدولار الأمريكي .
عوامل الطلب والعرض التقليدية بكل تأكيد ساهمت في الاتجاه الصعودي طويل المدى لأسعار الطاقة . جانب الطلب في هذه المعادلة واجه ضغوطا متزايدة هذا العام مع التركيز علي النمو الاقتصادي السريع وما استتبعه من ازدياد الطلب علي النفط في كلا من الصين والهند . برغم ذلك فان القفزة الأخيرة في أسعار النفط يمكن إرجاعها بشكل رئيسي إلي المضاربات المتعلقة بهذا الإعصار خصوصا في سوق العقود الآجلة فضلا عن محدودية وتركيز الطاقة التكريرية في الولايات المتحدة علي ساحل خليج المكسيك .
البيانات الاقتصادية التي صدرت خلال الأسابيع الماضية بدأت تعكس أثار الأعاصير الطبيعية مثل كاترينا وريتا والتي اجتاحت ساحل خليج المكسيك في الولايات المتحدة خلال شهري أغسطس أب وسبتمبر أيلول الماضيين . هذه البيانات عززت اعتقاد الفيدرالي الأمريكي والذي يري بان الاقتصاد ينمو بوتيرة متسارعه ومن ثم فان التضخم , وليس الكساد , من المفترض ان يكون هو موضع القلق .
بيانات التوظيف عن شهر سبتمبر أيلول أظهرت أول خسارة صافية في عدد الوظائف منذ مايو أيار 2003 , إلا ان التراجع خلال هذا الشهر بـ 35000 وظيفة كان اقل من توقعات السوق . مؤشر أسعار المستهلكين عن ذات الشهر اظهر اكبر ارتفاع شهري له في نحو 25 عام. برغم ذلك , فعند إزالة مكونات الوقود والغذاء المتقلبة , فان التضخم حينها سيكون قد ارتفع بشكل متوسط بحدود 0.1% وهي النسبة التي تعد اقل من توقعات السوق فضلا عن كونها ترجح بان ارتفاع أسعار الوقود لم يتم ترجمته بعد في القراءة الأساسية لمستويات التضخم .
علي نحو مشابه, فان مؤشر أسعار المنتجين في سبتمبر فاق التوقعات السابقة له ليسجل اكبر زيادة شهرية في نحو 15 عام . برغم ذلك, فمجددا عند إزالة أسعار سلع الوقود والغذاء سنري ان أسعار الجملة ارتفعت بشكل نسبي بنحو 0.3% . برغم ذلك فان هذا الإصدار الأساسي من أسعار المنتجين فاق التوقعات السابقة له , ومن ثم فان المرء يمكنه ان يستنتج ان ارتفاع أسعار الطاقة بدأ في التأثير علي الأسعار في مستوى الجملة وان الأمر لا يعدوا كونه مسألة وقت قبل ان يتم تمرير ارتفاعات هذه الأسعار إلى المستهلكين . مبيعات التجزئة والتي أتت دون التوقعات فضلا عن تراجع مؤشرات ثقة المستهلكين لأدنى مستوياتها في نحو 13 عام, بات يرجح بان ارتفاع أسعار الطاقة بالفعل بدأت تلقي بثقلها علي معنويات المستهلك الأمريكي . وبالتالي سيكون السؤال هو عن الكيفية التي سيتم بها نقل هذا التركيز في قطاع التجزئة خصوصا مع اقتراب موسم العطلات والذي يعد احد المواضيع الرئيسية التي يتم التركيز عليها في وول ستريت .
بعد ان أصبحت كلمة " التضخم " متداولة علي كل لسان هذه الأيام , فأننا نتوقع ان يستمر الفيدرالي الأمريكي في سياسته للتشديد النقدي . الفيدرالي رفع سعر الفائدة الاقتراض خلال سبتمبر أيلول 25 نقطة أساس إلي 3.75% وهي الزيادة الحادية عشر علي التوالي منذ يونيو حزيران 2004 . ومن المتوقع مشاهدة ارتفاع أخر في أكتوبر أو علي الأقل فان 25 نقطة أساس إضافية سيتم اعتمادها في الفترة من نوفمبر الى ديسمبر القادمين .
ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بالتوازي مع نمو الاقتصاد الأمريكي كانتا القوة الدافعة وراء التدفقات الخارجية باتجاه سندات الخزينة الأمريكية وسوق الأسهم علي التوالي . هذه التدفقات تترجم في شكل طلب علي الدولار الأمريكي وهو الأمر الذي حافظ علي العملة الخضراء قوية خلال سبتمبر وأكتوبر . وبينما يمكننا التأكيد علي ان سوق الأسهم في هذه المرحلة تبدوا ضعيفة بعض الشيء , فان الصورة المختلفة لأسعار الفائدة من المفترض ان تجعل الدولار الأمريكي عملة جاذبة حتى نهاية العام الحالي .
ارتفاع أسعار الفائدة ومخاوف التضخم لم تعد أمرا مقصورا علي صانعي السياسية في الولايات المتحدة أو وزراء المالية في مجموعة العشرين التي تضم بعض من الدول الصناعية الكبرى وبعض الدول النامية والذين من المتوقع ان يعقدوا اجتماع لهم في بكين هذا الشهر. وفقا للبيان الذي صدر في الثالث عشر من أكتوبر تشرين أول الماضي فان ارتفاع أسعار النفط " قد يزيد من الضغوط التضخمية ويؤدي إلي تباطؤ النمو الاقتصادي فضلا عن عدم استقرار الاقتصاد العالمي " هذا السيناريو من المفترض ان يدعم الدولار الأمريكي أيضا لأنه في أوقات عدم اليقين الاقتصادي فان الدولار والذي يعد عملة " ملاذ امن " يجذب تدفقات كبيرة اليه . وبينما قد نري بلدان أخرى قد تبدأ في تقييد سياستها النقدية فان أسعار الفائدة الأمريكية من المتوقع ان تظل مرتفعة في المستقبل القريب .
التحرك الأخير من قبل الدولار ين اعلى المستوى 115 يبشر بالخير لتحقيق الدولار الأمريكي لمكاسب إضافية داخل المنطقة 118/20 . علي الجانب الأخر فان قيعان يوليو تموز بالنسبة لليورو دولار عن 1.1868 من المفترض ان يتم الكسر دونها لتحفيز مزيد من مكاسب الدولار أمام العملة الأوربية . هذه الخطوة قد تنقل الانتباه باتجاه قيعان العام 2004 عند 1.1759 – 78 بشكل مبدئي إلا ان التوقعات تصب باتجاه مشاهدة تراجع حاد نحو 1.1500 .
في أوقات الضغوط التضخمية فان الدولار الأمريكي يميل إلي التراجع مقابل عملات السلع . عملات السلع هي عملات البلدان التي تحقق الجزء الأكبر من عوائد صادراتها من خلال مبيعات السلع الأولية . ومن ابرز الأمثلة علي عملات السلع السائلة الدولار الكندي والدولار الاسترالي والدولار النيوزلندي .
الدولار سجل أدنى مستوياته في نحو 17 عام أمام الدولار الكندي مع الارتفاع الهائل في أسعار النفط والمعادن . وبرغم تعافى الدولار الأمريكي من قيعانه الحالية فان المكاسب الأخيرة لاتزال ضمن نطاق تصحيحي ومن ثم فانه سيكون مرجحا استمرار الترند الهابط طويل المدى بالنسبة لحركة الدولار الأمريكي الدولار الكندي . بشكل مماثل فان زوجي الدولار الاسترالي الدولار الأمريكي والدولار النيوزلندي الدولار الأمريكي لا يزالان في مرحلة توطيد دون خطوط المقاومة الهامة مع توقعات بمشاهدة مزيد من المكاسب في المدى القصير والمتوسط .
عند نقطة ما, فان التضخم المحلي والارتفاع في سعر الدولار الأمريكي سوف يعيدان الانتباه باتجاه عجز ميزان التجارة الأمريكي وأيضا ميزان المدفوعات . وذلك لان السلع والخدمات الأمريكية تصبح أكثر تكلفة مع ارتفاع الدولار وبالتالي فان المستهلكين سواء في داخل البلاد أو خارجها سوف يبدءون في الحدث عن سلع أخرى أكثر رخصا . وهذا هو السبب الرئيسي خلف اعتقادنا بان الأسهم الأمريكية في موقف ضعيف في المرحلة الراهنة . مخاطر الهبوط في سوق الأسهم بالتأكيد سوف ينتج عنها تأثير سلبي بالنسبة للتدفقات باتجاه الدولار الأمريكي وبالتالي فان الاتجاه الهبوطي طويل المدى في سعر الدولار علي الأرجح سوف يعاود فرض نفسه .
الحكمة التقليدية في مجال الخدمات المالية تشير إلي ان تخصيص مابين 5 إلي 10% من محفظة التاجر الاستثمارية في استثمارات بديلة مثل تلك المعروضة من قبل CFC سيكون أمرا مرغوبا لتحقيق التنوع اللازم وحماية المستثمر من التحركات غير المواتية في فئة الأصول التقليدية.