تميل أزواج العملات عادةً إلى الارتداد بمجرد ملامسة إحدى المستويات الهامة التي تمثلها أرقام صحيحة. ويرى بعض متداولي الفوركس فرصة في الاستفادة من هذه الظاهرة من خلال تكييف نظام التداول بحيث يعتمد على تدفق الأوامر الموضوعة عند هذه المستويات. من الضروري هنا الإشارة إلى أن السوق لن يغير اتجاهه لمجرد ملامسة رقم صحيح، فالأمر طبعاً ليس بهذه السهولة! يتعامل المتداولون المحترفون دائماً مع فكرة الاحتمالات، وبالتالي فإن مراعاة هذه الظاهرة المتكررة تستحق الدراسة والاهتمام من جانبهم.
على سبيل المثال، تداول زوج USD/CAD في وقت سابق على حدود مستوى التعادل 1.0000 لفترة غير قصيرة. أثبت هذا المستوى التاريخي قدرته على لعب دور هام سواء كدعم أو مقاومة في العديد من الحالات. عند اختبار الزوج لمستوى التعادل في المرة الأولى نجح السعر في تجاوزه ببضعة نقاط ثم ارتد إلى أسفل بعدة مئات من النقاط. تكرر نفس السيناريو بعد فترة قصيرة. هناك يثور التساؤل حول تفسير هذه الظاهرة الغريبة؟ حسناً، يعزى الأمر بشكل رئيسي إلى سيل الأوامر التي يتم بناؤها عند هذه المستويات الهامة. تجمع عدد كبير من الأوامر استناداً إلى أهمية هذه المستويات المحورية، مثل حاجز التعادل 1.0000 في المثال السابق، ثم تفعيلها عند ملامسة السعر لتلك المنطقة يؤدي عادةً إلى إحداث قدر كبير من التذبذبات.
يميل المتداولون الأفراد دائماً إلى وضع نقاط الدخول أعلى أو أسفل أرقام الفوركس الصحيحة. على سبيل المثال، يقوم المتداول بوضع الأمر أعلى المستوى بحيث يتم تفعيله عند حدوث كسر حاسم والاستفادة من الأرباح المحتملة الناتجة عن الزخم اللاحق. وتحسباً لعدم تحرك السعر في الاتجاه المرغوب، يقوم المتداول عادةً بوضع أمر إيقاف الخسارة على الجانب الآخر من الرقم الصحيح. في هذه الحالة، فإن تسييل الأمر يؤدي إلى صفقة معاكسة والتي تأخذ صورة أمر بيع في حالة مركز الشراء. ما الذي يحدث عادةً عند تفعيل هذه الأوامر؟ تدفع أوامر البيع السعر إلى التحرك هبوطاً بمجرد تلاشي التوقعات بقدرة الزوج على اختراق المستوى المحوري بشكل حاسم. بطبيعة الحال لا يستطيع متداول بمفرده تحريك أسعار الصرف، إلا أن تجمع هذا القدر الهائل من الأوامر عند نقطة معينة هو الذي يؤدي إلى حركة السعر بتلك القوة. تقوم البنوك وصناديق التحوط هي الأخرى بوضع أوامر التداول بالقرب من هذه المستويات المحورية. ينطبق نفس الأمر حتى على الشركات الكبرى التي تحتاج إلى التعامل في سوق الفوركس لدفع رواتب موظفيها. هناك العديد من المتغيرات الحاكمة لسوق الفوركس والتي ومن المستحيل عملياً أن نتعرف عليها جميعاً، بل ولا حتى نصفها، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أن الأرقام الصحيحة يمكن أن تعمل كنقاط تحول رئيسية.
لا نقصد من الشرح السابق الاندفاع بشكل أعمى لوضع صفقاتنا استناداً إلى هذه الأرقام الصحيحة، لأن سوق الفوركس ليس بهذه البساطة، بل يتسم بمخاطر مرتفعة ومتنوعة. ولهذا فإن الاستراتيجية الأفضل هي الاستفادة من أهمية الأرقام الصحيحة في سياق عدد آخر من العوامل والاعتبارات الهامة مثل:
- تحليل الشموع اليابانية.
- اختراقات الزخم
- النماذج الانعكآسية بما في ذلك القمم المزدوجة وتصحيحات ABC.
- انعكاسات المتوسطات المتحركة.
- انعكاسات واختراقات مستويات الدعم والمقاومة الأفقية.
بالطبع ليست هذه سوى مجرد أمثلة حيث يوجد العديد من طرق التحليل الفني الأخرى التي يمكن استخدامها في هذا الغرض. يقوم بعض المتداولين أيضاً باستخدام روبوتات تداول الفوركس، أو ما يطلق عليه المستشارين الخبراء للتداول استناداً إلى الأرقام الصحيحة عبر استراتيجيات مختلفة.
ويبدو واضحاً من الشرح السابق أن الأرقام الصحيحة ليست سوى جزء من لعبة فك الألغاز في سوق الفوركس ولكن لا ينبغي التهويل من أهميتها بأكثر من هذا. يتحقق نصف النجاح في التداول عن طريق التحلي بالصبر والانتظار حتى تصطف جميع العوامل المؤثرة قبل وضع الصفقة في منصتك، ولكن بالطبع سيظل تأثير عوامل الخوف والجشع حاضراً بمجرد صدور أي إشارة تداول. سينتابك دائماً شعور بالطمع لاعتقادك بوجود فرصة سانحة لتحقيق الأرباح، ولكن قد يؤدي الخوف إلى التردد ومن ثم خسارة هذه الفرصة. ولهذا من الأفضل دائماً التحلي بالصبر وانتقاء أفضل إشارات التداول مع ملاحظة أنها قد تتكبد خسارة هي الأخرى، وهو ما ينقلنا للحديث عن حتمية إتباع قواعد حكيمة لإدارة رأس المال. من الممارسات الجيدة أيضاً التأكد من مدى قدرتك على تحقيق الأرباح من خلال التداول على حساب تجريبي والذي يعطي الفرصة لاكتشاف قدرتك على التداول دون تكبد خسائر حقيقية. وفي هذا السياق، فإن إدماج الأرقام الصحيحة ضمن استراتيجيتك قد تكون فكرة صائبة.