تتأثر كل عملة في سوق الفوركس بمجموعة من العوامل المتنوعة، تشمل من بينها أوضاع الاقتصاد الكلي على الصعيد المحلي، وكذلك التطورات الحاصلة في الأسواق العالمية. تضم قائمة العوامل التي تؤثر على قيمة العملة في سوق الصرف الأجنبي أيضًا المؤشرات الاقتصادية (نمو الناتج المحلي الإجمالي، أرقام الواردات/الصادرات)، والعوامل الاجتماعية (معدل البطالة، أوضاع السوق العقارية وسياسات البنك المركزي). برغم ذلك، وبجانب هذه العموميات، ترتبط كل عملة من العملات الثمانية الكبرى بظروف خاصة، ولهذا سنحلل في السطور القادمة العوامل الأساسية التي تحرك كل عملة منها على حدا.
الدولار الأمريكي (USD)
الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر تداولاً في سوق الفوركس، كما يُستخدم أيضًا كمعيار لتقييم العديد من السلع والعملات الأخرى. يهيمن الدولار الأمريكي على احتياطيات النقد الأجنبي لدى معظم دول العالم – حيث يشكل ما يقرب من 60% من احتياطات البنوك المركزية.
على الصعيد العالمي، هناك العديد من العوامل الأساسية التي تحرك الدولار الأمريكي. على سبيل المثال، يجري تسعير معظم المعادن والسلع الأساسية والنفط بالعملة الأمريكية، ولهذا تؤثر التقلبات الكبيرة في مستويات العرض والطلب في هذه الأسواق على قيمة الدولار. حدث هذا السيناريو بوضوح خلال الأزمة المالية في 2008 ثم تكرر في 2014، حيث أدى تهاوي أسعار النفط إلى انخفاض كبير في سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي. تستفيد العملة الخضراء أيضًا من وضعها الفريد كملاذ آمن، حيث يهرول المستثمرون إليها عندما تتدهور الأوضاع الاقتصادية. وبفضل مكانته كعملة احتياطي رئيسية، يستفيد الدولار الأمريكي أحيانًا من المشاكل التي تحدث حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.
بالنسبة للعوامل المحلية، يؤثر الاحتياطي الفيدرالي وأسعار الفائدة بشكل كبير على سعر صرف الدولار. وتعتمد قرارات الفائدة الفيدرالية عمومًا على معدلات التضخم والتوظيف ونمو الناتج المحلي الإجمالي، بمعنى أن الدولار ليس استثناءً من التأثر بالمؤشرات الاقتصادية العامة.
من العوامل الهامة الأخرى التي تؤثر على سعر صرف الدولار حالة الميزان التجاري والديون الفيدرالية في الولايات المتحدة. وبشكل عام، فإن ارتفاع عجز الميزان التجاري وزيادة الدين العام يُضعف من جاذبية الدولار الأمريكي. برغم ذلك، يمكن أن يحدث العكس، حيث قد يؤدي ارتفاع العجز التجاري وتراكم الديون إلى إقبال المستثمرون على شراء الدولار كملاذ آمن.
اليورو (EUR)
يعتبر اليورو هو أحدث العملات الكبرى في سوق الفوركس. يجري استخدام العملة الموحدة في 19 بلدًا من أعضاء الاتحاد الأوروبي. تعتمد العوامل الأساسية التي تحرك اليورو عادةً على الأوضاع الاقتصادية في الاقتصادات الكبرى مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
تشمل قائمة العوامل المؤثرة على أداء اليورو مؤشر أسعار المستهلكين ومعدل الإقراض المستهدف الذي يحدده البنك المركزي الأوروبي. تؤثر أيضًا أرقام الصادرات ومستوى البطالة في البلدان الأوروبية على أداء العملة الموحدة، لاسيما في دول مثل ألمانيا، والتي تعد من كبار مصدري السلع الصناعية والتقنية.
لا تزال أوروبا تعتمد على الغاز الروسي ونفط الشرق الأوسط كمصدر رئيسي للطاقة، وبكل تأكيد فإن الطلب المتزايد على هذه النوعية من السلع له تأثير سلبي على اليورو.
أحد المشكلات الجوهرية الأخرى التي يواجهها اليورو هو التباين بين اقتصادات منطقة العملة الموحدة، وهو ما تجلى في الخلافات التي نشبت إبان أزمة الديون في 2011 وصندوق الإنقاذ في 2020. يصعب على قادة الاتحاد الأوروبي في أحيان كثيرة التوصل بسرعة إلى حلول حاسمة لمعالجة المشكلات الطارئة، حيث تحدث خلافات حول كيفية تحقيق الاستفادة العادلة بين الدول، فضلاً عن توزيع أعباء تكلفة تمويل برامج المساعدات.
يعتبر اليورو عملة احتياطي بديلة للدولار الأمريكي، ولكنه لا يزال متأخرًا بفارق شاسع عن العملة الخضراء من حيث النسبة التي يشكلها ضمن احتياطيات البنوك المركزية، حيث لا تتجاوز 21% تقريبًا.
الجنيه الإسترليني (GBP)
الجنيه الإسترليني هو العملة الوطنية للمملكة المتحدة، ولكنه يتميز بتعدد وتعقد العوامل الأساسية التي تحركه في ظل المتغيرات العديدة التي تؤثر على الاقتصاد البريطاني ذاته وتأثيره الواسع على الصعيد العالمي.
لا تزال لندن هي عاصمة أسواق المال على مستوى العالم، كما تلعب بورصات السلع التي تحتضنها دورًا رئيسيًا في تحديد اتجاهات الجنيه الإسترليني.
تؤثر معدلات التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي على الباوند بدرجة كبيرة، فيما يلعب سوق الإسكان هو الآخر دورًا مهمًا في تحديد اتجاهات العملة البريطانية.
أظهر الاقتصاد البريطاني في الآونة الأخيرة علامات ضعف ملحوظة، خصوصًا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قلل من معدلات نمو الناتج المحلي. برغم ذلك، يستخدم المتداولون أحيانًا الجنيه الإسترليني كبديل لليورو خصوصًا في الأوقات التي يشهد فيها الاتحاد الأوروبي أزمات شديدة. يتأثر الباوند أيضًا بالأحداث السياسية، خصوصًا أثناء موسم الانتخابات. وبشكل عام، تتفاعل العملة بشكل سلبي مع الأحداث التي تسبب حالة من عدم اليقين، مثل الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2010 وأسفرت عن برلمان منقسم، ثم تكرر هذا السيناريو أثناء استفتاء البريكست في 2016.
الين الياباني (JPY)
يعتبر الين الياباني هو العملة الأقوى والأكثر تداولاً في الأسواق الآسيوية. يعتمد الاقتصاد الياباني بشكل أساسي على الصادرات الصناعية. ينظر المستثمرون إلى الين باعتباره عملة ملاذ آمن في الأوقات التي يشيع فيها النفور من المخاطرة في الأسواق المالية، فضلاً عن الطلب الكبير عليه من قبل متداولي الكاري تريد حتى في أوقات تحسن معنويات المخاطرة. يسمح انخفاض أسعار الفائدة في اليابان للمتداولين باقتراض الين واستثمار الأموال التي يتحصلون عليها في العملات التي تقدم بلدانها أسعار فائدة أعلى.
يؤثر التقارب الشديد، وأحيانًا التوترات، بين اليابان والصين هو الآخر على الين. تتمثل أبرز التحديات التي تواجهها العملة اليابانية في الانخفاض المستمر لسعر الصرف وتدخل البنك المركزي لتعزيز هذا الاتجاه. يثير ارتفاع سعر صرف الين حفيظة بنك اليابان المركزي، خصوصًا وأن العملة اليابانية تميل إلى الارتفاع في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. يعزى ذلك إلى أن قوة العملة يؤثر بالسلب على الاقتصاد الياباني بسبب اعتماده على التصدير، ولهذا يسعى البنك المركزي باستمرار لإضعاف العملة المحلية بغية إكساب الصادرات ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
ضرب الركود الاقتصادي اليابان في أوائل التسعينات في أعقاب انفجار الفقاعة العقارية في عقد الثمانينات، ولا يزال حتى الآن واحد من أكبر التهديدات لمستقبل اليابان.
تواجه اليابان أيضًا مشكلات ديموغرافية بسبب تزايد عدد كبار السن مقارنةً بالشباب، وهو الاتجاه الذي يعزز من المخاوف بشأن قدرة الحكومة على التعامل مع الانكماش الاقتصادي.
الفرنك السويسري (CHF)
سويسرا هي بلد صغير يقع في جبال الألب الأوروبية. برغم ذلك، فإن روابطها القوية بالتجارة الدولية وتدفق الأموال على البنوك السويسرية باعتبارها مركز مالي عالمي، جعل من الفرنك السويسري واحد من العملات الرئيسية المتداولة في سوق الفوركس. ويعتبر الفرنك أيضًا أحد العملات المفضلة للمستثمرين في فترات النفور من المخاطرة، وهو ما يعزى إلى قوة الاقتصاد السويسري واحتياطات الذهب الضخمة (برغم صغر حجم سويسرا، تمتلك البلاد سابع أكبر احتياطي من الذهب في العالم) وهو ما يزيد من جاذبية العملة. وعلى غرار الين الياباني، يعاني الفرنك السويسري من التدخلات المستمرة للبنك المركزي. وذهب البنك السويسري إلى حد ربط سعر صرف الفرنك باليورو خلال الفترة من 6 سبتمبر 2011 إلى 15 يناير 2015، وهو ما خلق ضغوط هبوطية مستمرة على العملة السويسرية.
الدولار الكندي (CAD)
يندرج الدولار الكندي ضمن ما يطلق عليها "عملات السلع"، حيث يعتمد اقتصاد البلاد على الصادرات النفطية. تصدر كندا معظم منتجاتها إلى الولايات المتحدة، ما يجعل الاقتصاد والعملة الكندية يعتمدان بشكل رئيسي على الجار الجنوبي. سلعة التصدير الرئيسية هي النفط الخام، ولهذا يتأثر سعر صرف الدولار الكندي بتحركات أسعار النفط في الأسواق العالمية.
هذه العلاقة الوثيقة تجعل العملة الكندية أكثر جاذبية في أعين المستثمرين في الأوقات التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي معدلات نمو قوية. على العكس من ذلك، فإن ضعف الاقتصاد العالمي يؤثر بالسلب على أداء الدولار الكندي.
الدولار الأسترالي (AUD)
يتشابه الدولار الأسترالي في جوانب عديدة مع الدولار الكندي، حيث تعتمد أستراليا هي الأخرى بشكل كبير على قطاع الصادرات كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي. ولكن على عكس العملة الكندية، يعتمد الدولار الأسترالي بشكل أساسي على صادرات الحديد والفحم والنفط والذهب إلى الصين. ولهذا فإن الأخبار الإيجابية الصادرة من الصين تدعم عادةً الدولار الأسترالي، والعكس صحيح. يتحرك الدولار الأسترالي صعودًا وهبوطًا بالتوازي مع الأوضاع في سوق السلع.
خلال السنوات الماضية، دأب البنك الاحتياطي الأسترالي على اعتماد أسعار فائدة مرتفعة، ما جعل الدولار الأسترالي أحد العملات الرئيسية التي تقترن بالين الياباني في أزواج الكاري تريد. برغم ذلك، تلاشى هذا الدور في الفترة الحالية بسبب انخفاض أسعار الفائدة على مستوى العالم، بما في ذلك أستراليا. ولكن لا يزال الدولار الأسترالي يستفيد حتى الآن من السياسة النقدية المرنة للبنك المركزي، ولهذا من الضروري لمتداول الفوركس أن يتابع عن كثب التطورات في هذا الصدد.
الدولار النيوزيلندي (NZD)
الدولار النيوزيلندي هو العملة الثالثة في قائمة "عملات السلع" الكبرى، ويعتمد أيضًا بشكل كبير على شركائه التجاريين – الصين وأستراليا. تعتبر منتجات الألبان أحد الصادرات الرئيسية لنيوزيلندا. لتتبع أسعار هذه المنتجات، يلجأ المستثمرون إلى متابعة أوضاع سوق تجارة الألبان العالمية، وكذلك مؤشر أسعار GDT، والذي يعتبر مرجعًا لأسعار منتجات الألبان في نيوزيلندا.
يتأثر سعر صرف الدولار النيوزيلندي أيضًا بأسعار الفائدة التي يعلنها بنك الاحتياطي النيوزيلندي، جنبًا إلى جنب مع التغيرات في قراءة مؤشر GDT Price Index. خلال السنوات الأخيرة، كانت قرارات الفائدة هي المحرك الرئيسي للدولار النيوزيلندي في المدى القصير، فيما ارتبطت اتجاهاته على المدى الطويل بأسعار منتجات الألبان باعتبارها السند الرئيسي للاقتصاد المحلي.