لا يوجد كيان مركزي يضطلع بمهمة تحديد أسعار الصرف لجميع أزواج الفوركس، حيث تنتمي كل عملة لبلد أو إقليم معين وبالتالي تتحدد قيمتها وفق طرق واعتبارات متباينة. تشمل الآليات المستخدمة لتحديد أسعار صرف العملات تنويعات مختلفة مثل مجلس العملات، الربط الثابت داخل نطاق، الربط المتحرك وسعر الصرف العائم، والعديد غيرها من أنظمة أسعار الصرف.
هناك تصنيفين رئيسيين يندرج تحتهما مختلف السياسات والآليات المستخدمة في تحديد أسعار صرف العملات. هاتين المجموعتين هما أسعار الصرف الحرة و أسعار الصرف الثابتة.
الفرق بين أسعار الصرف الحرة والثابتة
يشير مصطلح أسعار الصرف الحرة أو العائمة إلى السماح بتغير قيمة العملة استناداً إلى عدة عوامل، فيما تكون قوى العرض والطلب هي أبرز المحركات الرئيسية لسعر الصرف. على الجانب الآخر، يشير نظام أسعار الصرف الثابتة عادةً إلى تثبيت سعر العملة من قبل الحكومة أو البنك المركزي، مع ملاحظة أن سعر الصرف الثابت قد يتغير استناداً إلى قيمة العملة المرتبط بها.
الفرق الرئيسي بين تثبيت وتعويم أسعار الصرف هو أن سعر الصرف الثابت يتحدد عادةً من قبل الحكومة، والتي تفوض البنك المركزي للقيام بهذه المهمة، بجانب مسئولياته الأخرى عن السياسة النقدية في هذا البلد. على العكس من ذلك، فإن أسعار الصرف الحرة تتحدد وفق قوى العرض والطلب في السوق، حيث ترتفع قيمة العملة عند زيادة الطلب عليها أو انخفاض المعروض منها، فيما تتراجع قيمتها نتيجة انخفاض الطلب أو زيادة المعروض النقدي.
أسعار الصرف الثابتة
مجلس العملة
مجلس العملة (النقد) هو أحد الآليات الأكثر صرامة والتي تندرج ضمن سياسات تثبيت سعر الصرف، حيث يتم تفويض مسئولية البنك المركزي في تحديد قيمة العملة إلى السلطة الممثلة في مجلس النقد، والتي تحدد بدورها سعر صرف ثابت للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية. يتعهد مجلس العملة بالحفاظ على سعر الصرف مستقراً من خلال ضمان توفر احتياطيات نقدية كبيرة من عملة الربط لتغطية إجمالي المعروض النقدي من العملة المحلية. وجود مجلس العملة على هذا النحو يجعل من استخدام السياسة النقدية أو استهداف التضخم خياراً غير عملياً – حيث تربط البلدان التي تستخدم هذه الطريقة اقتصاداتها باقتصادات أخرى تكون عملتها هي عملة الربط المستهدفة. تطبق هذه السياسة بلدان مثل بلغاريا و هونج كونج. طبقت هونج كونج هذا النظام في أكتوبر 1983 فيما تحولت بلغاريا إلى نفس النظام في 1997. تربط هونج كونج عملتها بالدولار الأمريكي، فيما عمدت بلغاريا إلى ربط عملتها باليورو.
الربط التقليدي
يعتبر نظام الربط التقليدي أقل صرامة من نظام مجلس العملات، حيث لا ينطوي عادةً على تعهدات صارمة بالدفاع عن قيمة العملة بأي ثمن، أو تخلي البنك المركزي بشكل كامل عن مسئولياته في تطبيق السياسة النقدية. ويطبق البنك المركزي في هذا الإطار عدد من القيود بالتوازي مع استخدام آليات السوق الضرورية للحفاظ على سعر صرف العملة المحلية عند مستوى ثابت أمام العملات الأخرى. يُستخدم هذا النظام عادةً كأحد الأدوات الرئيسية لتثبيت قيمة العملة في الاقتصادات التي يضم ميزان مدفوعاتها عدد كبير من الصادرات والواردات. أبرز مثال على ذلك هي الدول المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, البحرين, قطر, و العراق، حيث ترتبط عملات هذه الدول بالدولار الأمريكي.
الربط مع السماح بالتحرك داخل نطاق أفقي
يستخدم نظام ربط سعر الصرف داخل نطاق أفقي من قبل بعض البلدان، وينطوي بشكل رئيسي على قيام البنك المركزي بتحديد سعر صرف العملة الوطنية داخل نطاق معين بدلاً من تحديد سعر صرف ثابت. تحدد بعض البلدان نطاق (مثل ±6%) يسمح بأن تتحرك العملة الوطنية في إطاره أعلى أو أسفل نقطة مرجعية ثابتة، فيما لا تحدد بعض البلدان الأخرى نسب محددة لحركة السعر داخل النطاق..
أبرز الأمثلة على ذلك هي الكرونة الدنماركية حيث تتحدد قيمتها داخل نطاق أفقي أمام اليورو منذ عام 1999. وحددت الحكومة النرويجية النطاق المعتمد رسمياً لحركة الكرونة عند ±2.25% من النقطة المركزية لسعر الصرف عند 7.46038 مقابل اليورو.
الربط المتحرك
يعتبر الربط المتحرك أحد السياسات الأخرى التي تستخدمها البنوك المركزية حتى تتمكن من ضبط قيمة العملة الوطنية استناداً إلى التغيرات الحاصلة في بيئة السوق والظروف الاقتصادية. تُطبق هذه السياسة عادةً عن طريق ربط سعر صرف العملة الوطنية مقابل عملة رئيسية مثل الدولار الأمريكي أو اليورو أو سلة من العملات.
يتمثل الفرق الرئيسي بين أنظمة الربط المتحرك والربط التقليدي في أن البنك المركزي يغير بانتظام السعر المرجعي عند أي نقطة يراها مناسبة، وبغض النظر عن النسبة المئوية للتغير في سعر الصرف الجديد. ويلجأ البنك المركزي عادةً إلى تحريك سعر الصرف في الأوقات التي يرى فيها تغير كبير في الظروف السائدة في السوق بالقدر الذي يبرر تغيير قيمة العملة الوطنية. هذه السياسة تجعل من نظام الربط المتحرك مرناً وقادر على الاستجابة للظروف المتغيرة في الاقتصاد، ويسمح في نفس الوقت للبلد المعني بالحفاظ على استقرار العملة المحلية بدرجة معينة. يُطبَق هذا النظام حالياً في ثلاثة بلدان فقط هي هندوراس ونيكاراغوا، والتي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، فيما تستخدم بوتسوانا سلة من العملات المرجعية لتحديد قيمة عملتها.
الربط المتحرك مع تحديد نطاق أفقي
يعتبر نظام الربط المتحرك داخل نطاق أحد تنويعات سياسات الربط المرن، حيث ينطوي على إدارة سعر صرف العملة الوطنية بنفس الطريقة ولكن مع قيام البنك المركزي بتحديد نطاق معين يسمح بحركة سعر الصرف في إطاره.
أبرز مثال على أنظمة ربط سعر الصرف المتحرك داخل نطاق هي الصين. يحدد بنك الشعب الصيني حالياً متوسط سعر صرف اليوان بشكل يومي مع السماح بتحرك سعر الصرف في نطاق لا يتجاوز 2% صعوداً وهبوطاً.
تعتبر الصين أيضاً واحدة من الدول القليلة التي لديها سعري صرف مختلفين لعملتها الوطنية، أحدهما لليوان الداخلي (USD/CNY ويتداول في بر الصين الرئيسي) والآخر هو سعر صرف لليوان الخارجي (USD/CNH ويتداول في هونج كونج).
أسعار الصرف العائمة
هناك نوعين رئيسيين من أسعار الصرف العائمة أو الحرة – التعويم المُدار والتعويم الحر.
التعويم المُدار
يعتبر التعويم المُدار أحد أشكال تحرير سعر الصرف حيث يسمح البنك المركزي لقيمة العملة بالتغير وفق قوى العرض والطلب، ولكن مع التدخل بشكل دوري للحفاظ على استقرار قيمة العملة الوطنية.
تطبق هذا النظام العديد من الدول النامية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، حيث يتدخل البنك المركزي في أسواق العملات لسحب السيولة الزائدة ودعم قيمة العملة، وفي بعض الأوقات الأخرى بغرض زيادة المعروض وإضعاف العملة المحلية.
تُطِبق تركيا أيضاً نظام تعويم سعر الصرف حيث يتم تداول الليرة التركية بحرية في أسواق الفوركس، ولكن يتدخل البنك المركزي لمنع ما يراه تلاعباً بأسعار صرف الليرة مقابل اليورو والدولار الأمريكي، سواء في حالات الارتفاع أو الانخفاض.
التعويم الحر
ينطوي التعويم الحر لأسعار الصرف على السماح لقوى العرض والطلب في السوق بتحديد قيمة العملة الوطنية، حيث لا تتدخل الحكومات أو البنوك المركزية في السوق سوى في حالات نادرة. تسمح البلدان التي تطبق نظام التعويم الحر للمشاركين في السوق (المستثمرين، المتداولين، الشركات والبنوك) بتحديد سعر صرف عملتها الوطنية على أن يقتصر تدخل البنك المركزي في حالات الضرورة التي تشهد فيها العملة تذبذبات حادة. وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، طبقت 31 دولة هذا النوع من أنظمة أسعار الصرف في 2018
مزايا تثبيت سعر الصرف
الميزة الرئيسية لتثبيت سعر صرف العملات هو توفير حالة من اليقين والاستقرار للمصدرين والمستوردين، حيث أن تثبيت قيمة العملة يعني سهولة التنبؤ بأرباحهم الحالية والمستقبلية. يساعد هذا النظام أيضاً الحكومات على إبقاء التضخم عند معدلات منخفضة بفضل استقرار قيمة العملة مقابل العملات الأجنبية الأخرى.
ويميل هذا النظام أيضاً إلى اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية حيث أن استقرار قيمة العملة المحلية يحفز المستثمرون على العمل في هذا السوق. وبطبيعة الحال، فإن زيادة الاستثمارات الأجنبية يدعم اقتصاد البلد المعني ويسهم في رفع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.
مساوئ سعر الصرف الثابت
أحد العيوب الرئيسية المصاحبة لتطبيق نظام تثبيت سعر الصرف هو أن البنك المركزي سيتعين عليه شراء كمية كبيرة من احتياطيات العملة الأجنبية والاحتفاظ بها في خزائنه لتعزيز قيمة العملة المحلية والدفاع عنها في حال تدهور قيمتها أمام العملات الأخرى.
يخلق سعر الصرف الثابت أيضاً صعوبات جمة أمام البنك المركزي في سعيه للحفاظ على استقرار قيمة العملة المحلية في حال تغير الوضع الاقتصادي نتيجة ظروف مفاجئة. قد تلجأ البلدان التي تعاني من صعوبات مالية أو نقدية إلى تثبيت سعر صرف عملتها بغرض الحفاظ على استقرارها. برغم ذلك، تؤدي هذه السياسة عادةً إلى خلق أسواق صرف موازية بعيداً عن الغطاء الرسمي بحيث تعكس القيمة الحقيقية للعملة. واجهت العديد من البلدان مثل زيمبابوي ظاهرة السوق السوداء للعملة، والتي عززت بدورها من التدفقات غير المشروعة للأموال وخلق اقتصاد موازي بعيداً عن رقابة البنك المركزي.
تحد أسعار الصرف الثابتة أيضاً من قدرة البنك المركزي على تطبيق سياسة نقدية مستقلة دون اللجوء لفرض قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال. ويطلق عادةً على هذا الوضع وصف الأزمة المالية.
الخلاصة
تتبع معظم البلدان سياسة معينة لتحديد أسعار الصرف والتي تصفها عادةً بأنها النظام العادل والقانوني، ولكن في واقع الأمر فإن هذه الأنظمة تتغير وفقاً لظروف السوق والتي تتطلب في كثير من الأحيان تغيير النظام الحالي والانتقال إلى أنظمة أخرى حتى دون الإعلان عن ذلك رسمياً. ويطلق في هذه الحالة على هذا النظام الموازي مصطلح السياسة الواقعية.
برغم ذلك، تتحدد أسعار صرف العملات في نهاية المطاف إما بواسطة قوى العرض والطلب المهيمنة في السوق أو من قبل البنك المركزي. وفي كثير من الأحيان تلجأ البلدان إلى استخدام مزيج يجمع بين كلا النظامين، كما هو الحال في أنظمة الربط المتحركة والتعويم المُدار.