نسمع بين الحين والآخر عن قصص بعض متداولي الفوركس التي يزعمون فيها تحقيق ثروة طائلة خلال فترة زمنية قصيرة، وكيف أن تجارة العملات قد ضمنت لهم حياة مترفة. برغم ذلك، ستلاحظ أن معظم هذه القصص المتداولة عبر الإنترنت تنتهي برابط لفتح حساب مع إحدى وسطاء الفوركس، أو حتى شراء نظام تداول يدعي صاحبه أنه يتمتع بقدرات خارقة. وبرغم أن الحس السليم يقتضي عدم الالتفات إلى مثل هذه الحيل التسويقية، إلا أن تفاصيل هذه القصص ستدفعنا حتماً للتفكير في حقيقة الأمر. السؤال الذي سيطرأ على ذهن المرء بعد الانتهاء من قراءة هذه الإعلانات هو ما إذا كان تداول الفوركس قادر بمفرده أن ينقله إلى مصاف الأثرياء. سنحاول في هذه المقالة الوصول إلى إجابة واضحة على هذا السؤال الهام مع عرض الأسانيد التي تدعم حجتنا.
كيف تصبح ثرياً
قبل أن نقرر ما إذا كان متداول الفوركس بمقدوره حقاً أن يصبح شخص ثري من خلال الاستثمار في سوق العملات، نحتاج أولاً إلى تعريف ما يعنيه لفظ ’الثراء‘. هناك تباين كبير في تعريف الشخص الثري، على سبيل المثال فإن الشخص الذي يربح ما يعادل 50,000$ في إحدى بلدان العالم الثالث يستطيع أن يضمن لنفسه العيش في مستوى مادي واجتماعي مريح. على العكس من ذلك، فإن هذا المبلغ لن يكون كافياً في الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية للارتقاء إلى مصاف الأثرياء حيث سيصنف هذا الشخص في أحسن الأحوال ضمن طبقة متوسطي الدخل. تغيرت أيضاً خلال السنوات القليلة الماضية معايير تصنيف الأغنياء، حيث كان الشخص يحتاج إلى مليون دولار فقط في حسابه المصرفي ليحمل هذا اللقب. ولكن نظراً لتأثير التضخم، فإن الجلوس بين الأثرياء بات يتطلب توفير فائض نقدي يتجاوز هذا الرقم.
وبحسب دراسة استقصائية أجرتها شركة الوساطة Charles Schwab، فإن الشخص الثري في الولايات المتحدة يجب أن يمتلك أكثر من 2.40 مليون دولار. قد يختلف هذا الرقم قليلاً بحسب البلد الذي يقيم فيه متداول الفوركس. ولكن في كل الأحوال سنستخدم في هذه المقالة هذا الرقم، أي 2.40 مليون دولار، كحد أدنى لتصنيف المتداول ضمن فئة الأثرياء.
توليد الثروة
لا يخلو أي نقاش عن الفوركس من طرح فكرة تحقيق الثراء. بشكل عام، فإن العمل في مجال التداول المالي هو الاختيار المفضل لكثير ممن يرغبون في بناء ثرواتهم الخاصة من خلال تحمل بعض المخاطر المصاحبة للعمل في هذا المجال. ينطبق نفس الأمر على متداولي العملات، حيث يوفر سوق الفوركس فرص لا مثيل لها لتحقيق الثراء، على الأقل من الناحية النظرية. وحتى من الناحية العملية، لا توجد قيود كبيرة على اشتراطات رأس المال أو وقت التداول أو الأرباح التي يمكنك تحقيقها. بالإضافة لذلك، فإن الرافعة التي يقدمها وسطاء الفوركس، وبرغم أنها سلاح ذو حدين، فإنها لا تتوافر بنفس القدر في الأسواق المالية الأخرى. تشجع هذه الحقائق المتداولين المبتدئين على الاقتناع بفكرة القدرة على تحقيق الثراء سريعاً. وعلى عكس عالم الأعمال والاستثمار التقليدي، فإن تحقيق الأرباح من تداول الفوركس لا يتطلب استنفاذ قدر كبير من الوقت. هذا السبب تحديداً يعتبر من أبرز الأسباب التي تجعل من فكرة بناء الثروة رائجة بمجرد التطرق إلى أي مناقشة حول الفوركس.
تحقيق الثراء من تداول الفوركس
بكل تأكيد يمكنك أن تصبح ثرياً عن طريق تداول العملات. ولكن هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها. قد يستغرق الأمر من المتداول الفردي سنوات طويلة حتى يستطيع تنمية حسابه الصغير من خلال تراكم الأرباح. هناك أيضاً احتمال وارد بأن تخسر كل أموالك. يدفعنا هذا إلى التساؤل عن رأس المال المثالي الذي يجب أن تبدأ به عملك في تداول الفوركس. يسمح بعض وسطاء الفوركس بفتح حساب بدولار واحد. ولكن من الناحية العملية من المستحيل أن تحقق أي دخل حقيقي باستخدام هذا المبلغ التافه. يستند ذلك إلى حقيقة أن جميع المتداولين، حتى المخضرمين منهم، يمكن أن يواجهوا سلسلة من الخسائر المتتالية الأمر الذي يعرضهم لتبخر حسابهم خلال فترة وجيزة. وكقاعدة عامة، يجب ألا تزيد خسارة المتداول في أي صفقة عن 2% من رأس المال.
وفقاً لهذه القاعدة، فإن شخص يتداول بـ 0.01 لوت مع استخدام رافعة مالية 1:100 ووضع أمر إيقاف الخسارة على مسافة 50 نقطة من نقطة الدخول، سيحتاج إلى رأسمال أولي بحدود 350$. العمل وفق هذه المحددات ولكن برأسمال أقل من المبلغ المذكور سيؤدي بالضرورة إلى ضرب مستويات الوقف بسبب تضاؤل الهامش. على العكس من ذلك، تتراجع مخاطر تبخر رصيد المتداول بالتوازي مع زيادة رأس المال الذي يبدأ به العمل، ولكن شريطةً أن يتبع قواعد حكيمة لإدارة المخاطر و اختيار الحجم المناسب للصفقات.
وبرغم أن توفير 350$ قد يكون كافياً للبدء في تداول الفوركس، ولكن تحويل هذا المبلغ الصغير إلى ملايين الدولارات سيكون مهمة أقرب إلى المستحيل. بعبارة أخرى، فإن زيادة رأس المال الأولي سيتيح للمتداول تقليل الوقت والمجهود المطلوب لتحقيق هدفه في أن يصبح ’شخصاً ثرياً‘. تفسير ذلك هو أن توفير رأسمال بحجم مناسب يعني القدرة على مضاعفة أحجام التداول بسهولة، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام الوصول إلى الرصيد المطلوب في وقت قصير بعد تحقيق النجاح في بضعة صفقات كبيرة. وطالما كان المتداول يتبع نهج محافظ في اختيار حجم العقود فسيكون من السهل عليه زيادة رصيد الحساب بسرعة، ولكن بشرط توفير مبلغ كبير لبدء الاستثمار.
وبناءً على ما سبق، يمكننا بسهولة تخيل أن شخص يبدأ رحلته في تداول الفوركس برأس مال 2 مليون دولار سيكون على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلم الثراء. على العكس من ذلك، فإن بدء التداول بـ 10,000$ سيحتاج إلى سنوات طويلة من التداول المربح حتى تقترب من الانضمام إلى معشر الأغنياء. لا يختلف الأمر حتى إذا بدأت بـ 100,000$ (وهو الحد الأدنى للتداول في أسواق الفوركس قبل عام 2000) لأن المتداول سيحتاج أيضاً إلى بذل الكثير من الوقت والجهد حتى يتمكن من تحويل هذا المبلغ إلى أرباح بالملايين. يمكن تلخيص كل ما سبق بالقول أن رأس المال المبدئي الذي يخصصه متداول العملات يلعب دور رئيسي في فرصه في أن يصبح شخصاً ثرياً، ولكن بالطبع لا يمكن الجزم أن هذا هو المعيار الوحيد لتحقيق الثراء.
يتطلب النجاح في مجال التداول أن يتمتع المرء بالمعرفة الكافية بأصول التحليل الفني والأساسي. كما يجب أن يتابع المتداول بنفسه أخر الأخبار والتقارير والأحداث السياسية والتطورات على مستوى الأسواق المالية. ولا يمكن أيضاً التغافل عن أهمية التحلي بفضائل الصبر والانضباط.
يجب أيضاً أن نتذكر أن أسواق العملات قد تشهد تقلبات حادة في أي وقت بسبب أحداث غير متوقعة. على سبيل المثال، فإن إعلان البنك المركزي بشكل مفاجئ عن رفع أو خفض سعر الفائدة، أو صدور بيانات ضعيفة عن الوظائف أو نمو الناتج المحلي، أو وقوع أحداث إرهابية أو حروب، أو فرض عقوبات من الأمم المتحدة، أو اندلاع أعمال شغب وما إلى ذلك يمكن أن يؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة في الاتجاهات السائدة، الأمر الذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى تكبد خسائر فادحة أو حتى تصفير الحساب. بعبارة أخرى، فإن فرص خسارة المتداول لجميع أمواله تظل واردة، ولهذا ينصح المتمرسين في هذا المجال نظرائهم بأن يقتصر الاستثمار في الفوركس على الأموال الفائضة عن حاجة المتداول.
خاتمة
تشير العديد من الإحصائيات إلى أن نسبة ضئيلة من المتداولين هي التي تتمكن من تحقيق النجاح في عامها الأول في سوق الفوركس. يعزى ذلك إلى افتقار المتداولين المبتدئين في معظم الأحوال إلى الانضباط الذاتي وعدم الالتزام باستخدام استراتيجية سبق اختبارها بشكل كافي. لا ننسى أيضاً أن التهور في استخدام الرافعة المالية هو واحد من الأسباب الرئيسية لفشل المتداولين محدودي الخبرة. وبالتالي يمكن القول أن متداول الفوركس الذي يمتلك القدرة على تصحيح الأخطاء، والتحلي بالانضباط الذاتي والصبر، واستخدام الرافعة المالية بحكمة هو وحده القادر على تحقيق الثراء من تداول الفوركس خلال فترة زمنية تتوقف على مقدار رأسماله المبدئي.
يراود حلم الثراء جميع متداولي الفوركس بلا استثناء، ولكن حفنة قليلة منهم هي التي تتمكن من تحقيق مسعاها. لا يختلف الأمر عن أي مجال أو مهنة أخرى، حيث يظل الانضباط والتفاني أمور لا مفر منها لتحقيق نجاح باهر حتى في أسواق العملات.