يشهد معظم متداولي الفوركس على صدق العبارة القائلة بأن التداول بنجاح في سوق العملات هو مهمة أسهل نسبياً من إيجاد وسيط يمكن الوثوق به. برغم ذلك، لا تلقى هذه المقولة رواجاً بين المتداولين الناجحين، والذين يمثل التداول في سوق العملات مصدر دخلهم الرئيسي، حيث لا يرون ضرورة في إلقاء مثل هذه الاتهامات والتركيز بدلاً من ذلك على دراسة خلفية وسيط الفوركس قبل فتح حساب تداول معه. هناك شكاوى وشكوك تحيط بجميع الوسطاء عبر الإنترنت تقريباً. حتى شركات الوساطة المرخصة لم تسلم من هذه الشبهات خصوصاً بعد أن وقعت العديد منها تحت طائلة سلطات إنفاذ القانون بعد اكتشاف ممارساتها الاحتيالية (على سبيل المثال، قامت هيئة تداول السلع الآجلة في الولايات المتحدة بتغريم FXCM وحظرها تماماً من العمل في الولايات المتحدة بسبب تضليل العملاء). وبالتالي يمكن القول أن أسباباً منطقية تقف خلف تشكك المتداولين في نزاهة ومصداقية وسطاء الفوركس العاملين في السوق.
للوصول إلى استنتاج في هذه المسألة الحساسة سيتعين علينا أولاً النظر إلى الأسباب الرئيسية التي قد تدفع البعض إلى وصم وسيط الفوركس بأنه شركة احتيالية. سنقوم بعد ذلك بشرح كل سبب من هذه الأسباب حتى نصل في النهاية إلى قرار صائب بشأن مدى موثوقية وسيط التداول الذي ننوي العمل معه.
الأسباب التي قد تدفعك لاعتبار وسيط الفوركس غير موثوق به
استقرار المنصة
من المفترض أن تكون منصة التداول التي يقدمها وسيط الفوركس مستقرة في معظم الأوقات، حتى أثناء صدور الأخبار الهامة. يعرف جميع الوسطاء أن منصة التداول هي العمود الفقري لأعمالهم وبالتالي من المنطقي أنهم على دراية بأن تكرار المشاكل المصاحبة لها سوف يدفع العملاء للبحث عن شركات أخرى. ولهذا السبب يحرص الوسطاء الجادين على الاستعانة بخوادم قوية بحيث تكون قادرة على التعامل مع الحالات التي تشهد زيادة كبيرة في عدد أوامر التداول، مثلما يحدث أثناء صدور بعض الأخبار الهامة. برغم ذلك، يظل من الوارد أن تواجه المنصة صعوبات مرة أو مرتين خلال العام حيث قد تؤدي بعض الأحداث غير المتوقعة إلى تجميد أو قطع الاتصال مع الخادم، مثلما يحدث مع الأخبار ذات الأهمية الاستثنائية. يركن بعض المتداولين المبتدئين سريعاً لفكرة أن شركة الوساطة التي يتعاملون معها غير نزيهة، وهو الأمر الذي قد يخالف الحقيقة في كثير من الأحيان. ولكن إذا تعرضت المنصة لحالة من عدم الاستقرار في مرات كثيرة خلال الشهر، خصوصاً أثناء صدور الأخبار الهامة، فإن المتداول في هذه الحالة سيكون لديه أسباب وجيهة للشك في دوافع هذا الوسيط.
إعادة التسعير، الانزلاق السعري وتنفيذ الأوامر
يعاني السوق عادةً من شح السيولة أثناء الأحداث والأخبار الهامة، وهي أحد الأسباب الرئيسية لظهور حالات إعادة التسعير. في الأسواق سريعة الحركة، قد يؤدي التأخر في وضع أمر التداول لبضعة كسور من الثانية إلى الفشل في الإمساك بسعر الدخول المستهدف. لا يتم تنفيذ أمر التداول سوى بعد تمرير وسيط الفوركس هذا الأمر إلى أحد مزودي السيولة. ولهذا تعد حالات إعادة التسعير نتيجة منطقية في ظل طبيعة علاقات الارتباط التي تجمع بين مستويات مختلفة من الوسطاء ومزودي السيولة في سوق العملات الأجنبية. من المستحيل تجنب إعادة التسعير تماماً، ولكن يمكن للوسيط التقليل من حدوثها عن طريق الاستعانة بخوادم قوية والتعاقد مع عدد كبير من مزودي السيولة. تكرار حالات إعادة التسعير، والتي يكون فيها المتداول مضطراً لزيادة سعر العطاء أو تقليل سعر السؤال، هو سبب منطقي للتشكك في مصداقية الوسيط أو على الأقل في كفاءته.
قد يلجأ المتداولون الذين لا يرغبون في خسارة فرص الدخول عند نقاط معينة بسبب إعادة التسعير إلى وضع ’أوامر سوق‘، مع ملاحظة أنها قد تتعرض أيضاً للانزلاق السعري في الأسواق المتقلبة. قد يكون الانزلاق إيجابياً أو سلبياً من زاوية تأثيره على المتداول. ولكن تعرض المتداول لانزلاقات سلبية بصورة متكررة هو إشارة غير مطمئنة على الإطلاق. ولهذا يعد التعرض لمزيج متوازن من الانزلاقات الإيجابية والسلبية أحد العوامل التي يمكن الارتكان إليها في تقييم مدى كفاءة وموثوقية وسيط الفوركس.
أيضاً من الضروري معرفة أن أوامر التداول يتم تنفيذها عادةً بدون أي صعوبات أو انزلاقات سعرية في الفترات التي يكون فيها مستوى التذبذب ضمن الحدود المعتادة. ولهذا يرى البعض أن التأخر المتكرر في تنفيذ الأوامر أو تنفيذها عند أسعار بعيدة عن المستويات المستهدفة يعد إشارة أخرى على عدم نزاهة شركة الوساطة.
في نوفمبر الماضي، اكتشفت السلطات التنظيمية البولندية أن وسيط الفوركس XTB قد انخرط في ممارسات غير عادلة للانزلاق السعري، والتي ربما كلفت العملاء رسوم إضافية تتراوح بين 2 إلى 6 مليون دولار. وبحسب تقديرات أحد الخبراء الذين استعانت به هيئة الرقابة البولندية، فإن الخسائر الحقيقية ربما تتجاوز هذا الرقم بثلاثة أضعاف. وينظر إلى ’الانزلاق غير المتكافئ‘ باعتباره استراتيجية احتيالية تنطوي على تنفيذ أوامر العملاء عندما يكون الانزلاق السعري في صالح الوسيط، بينما يقوم هذا الوسيط بتوجيه المنصة لإصدار إعادة تسعير عندما يكون الانزلاق في صالح العميل.
السبريد
من المستحيل على وسيط من فئة STP تقديم سبريد ثابت طوال اليوم وعلى مدار أيام الأسبوع. من المفترض أن يقوم وسيط الفوركس بزيادة قيمة السبريد للتخفيف من عبء المخاطر أثناء فترات اضطراب الأسواق. برغم ذلك، لا يمكن للمتداول الوثوق في شركة وساطة تقوم بزيادة السبريد إلى مستويات غير منطقية، على سبيل المثال توسيع فارق السعر إلى 25 نقطة أو أكثر عند صدور بعض الأخبار الهامة .
في يوليو الماضي، أعلنت Zamansky LLC، وهي شركة محاماة مقرها نيويورك وتتخصص في قضايا الاحتيال في الأوراق المالية، أنها بصدد التحقيق في سياسات التسعير والسبريد المتبعة لدى OANDA. وقالت Zamansky أن OANDA تزعم في برامجها الترويجية أنها تقدم "سبريد منخفض" و"سبريد تنافسي" وتسعير "شفاف" دون أي تكاليف خفية. برغم ذلك، تعتقد شركة المحاماة أن OANDA لم تفي بوعودها ولهذا رفعت Zamansky دعوى ضد الشركة في 31 أكتوبر 2017 متهمة إياها بتقاضي "سبريد ورسوم مرتفعة دون الإفصاح عنها، فضلاً عن تقاضي فوائد من العملاء وتكبيدهم خسائر مرتبطة بتداول العملات الأجنبية دون سند قانوني." وحتى كتابة هذه السطور في فبراير 2018، لا تزال القضية متداولة في أروقة المحكمة العليا في نيويورك.
رسوم التبييت
عند قيام المتداول بترحيل صفقة البيع أو الشراء إلى اليوم التالي فإنه سيكسب أو سيدفع رسوم التبييت أو ما يطلق عليه فائدة الرول أوفر. يتم حساب رسوم الرول أوفر وفق المعادلة التالية:
السواب = (قيمة العقد × (الفرق بين أسعار الفائدة – عمولة وسيط الفوركس مقابل ترحيل مركز التداول) / 100) * السعر الحالي / عدد الأيام في السنة.
تختلف رسوم السواب بشكل كبير بحسب العمولة التي يتقاضاها وسيط الفوركس. على سبيل المثال، عند إلقاء نظرة على رسوم السواب التي تفرضها عدد من شركات الوساطة اكتشفنا أن InstaForex تتقاضى رول أوفر قدره -8 نقطة مقابل مركز الشراء على زوج EUR/USD ، فيما تدفع IG رول أوفر قدره نقطة واحدة على مركز الشراء لنفس الزوج. وبالنسبة لزوج AUD/CAD، تدفع InstaForex للعميل رول أوفر موجب بـ 1.69 نقطة، فيما تتقاضى IG رول أوفر سلبي قدره 0.01 نقطة. يجب على المتداول أن يدرس رسوم السواب التي يدفعها أو يتقاضاها وسيط الفوركس بعناية خصوصاً على أزواج العملات الأكثر سيولة. إذا كان الوسيط يتبع سياسة فرض رسوم رول أوفر مرتفعة (أو دفع رسوم منخفضة) على جميع أزواج العملات الرئيسية، فتلك قد تكون إشارة على عدم نزاهة واستقامة هذه الشركة.
سحب الأموال
تعتبر مصداقية الشركة في سحب الأموال أحد العوامل الرئيسية التي تحدد بشكل كبير مدى موثوقيتها من عدمه. تأخير معالجة المدفوعات لفترة طويلة يفقد الوسيط احترامه وثقته في أعين عملائه، ولهذا سنلاحظ أن الشركات الحريصة على سمعتها ترسل الأموال المسحوبة لعملائها في فترة لا تتجاوز 4 أو 5 أيام. ينصح المتداولين المحترفين نظرائهم المبتدئين دائماً ببدء التداول برأس مال صغير وتجربة إجراء عدة عمليات سحب للتعرف على مدى موثوقية وسيط الفوركس قبل التورط معه بمبالغ كبيرة.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو قرار هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بتعليق رخصة وسيط الفوركس ACFX بعد أن بدأ عملاءه في الشكوى من تقاضي رسوم رول أوفر باهظة على عقود النفط. كما عانى عدد كبير من العملاء الصينيين من مشاكل في معالجة طلبات السحب.
خدمة العملاء
يمكن أيضاً الحكم على مصداقية وسيط الفوركس من خلال مدى كفاءة خدمات دعم العملاء. حرص شركة الوساطة على حل جميع المشاكل المرتبطة بمنصة التداول أو الإيداعات أو المسحوبات أو خطوات التحقق من وثائق الهوية يعد إشارة لا تخطئها العين على كفاءتها وموثوقيتها. ولهذا لا غرابة في أن نجد أن معظم الوسطاء الذين يتمتعون بسمعة طيبة في السوق هم هؤلاء الذين يقدمون عادةً خدمة عملاء متميزة.
خاتمة
تحدد العوامل التي شرحناها آنفاً إلى حد كبير مدى موثوقية وسيط الفوركس من عدمه. تسعى العديد من الشركات المحترمة بدأب إلى تلبية هذه المعايير. برغم ذلك، لا يمكن الادعاء بأن هذه النوعية من وسطاء الفوركس لن تواجه مشاكل على الإطلاق، لأن صناعة تداول العملات في سوق التجزئة تعتمد بشكل كبير على الشبكات الإلكترونية والبنية الأساسية للمؤسسات المالية. بعبارة أخرى، فإن مواجهة بعض المشاكل مع وسيطك لا يعني دائماً أنه يفتقد للمصداقية. ولكن، لا يمكن أبداً الدفاع عن الفشل المستمرفي تقديم خدمات بالمستوى اللائق حيث تظل المشاكل المستمرة إشارة لا يمكن تجاهلها على عدم مصداقية شركة الفوركس.
إذا ألقينا نظرة عن كثب على الشكاوى التي يكتبها المتداولين في معظم المنتديات المتخصصة سنكتشف أن غالبيتهم من ذوي الخبرة المحدودة في عالم التداول. يلعب التحيز الشخصي عادةً دور حاسم في تقييم كافة النتائج البشرية، ولهذا سنجد أن كثير من المبتدئين يقعون في فخ إلقاء اللوم في فشلهم على الآخرين، وتداول الفوركس ليس استثناءً من هذه القاعدة. ولهذا فإن المتداولين الذين لديهم القدرة على تقبل أخطائهم وإجراء تحليل دقيق وأمين لأدائهم لن يجدوا مشكلة في الاستقرار على وسيط فوركس موثوق. وبرغم الأخطاء التي يقع فيها المتداول والتسرع في إصدار الأحكام، ولكن لا يمكن أن ننفي حقيقة أن القائمين على بعض شركات الوساطة ليسوا سوى حفنة من المحتالين. لا يمكن بأي حال من الأحوال القول أن هذه النوعية من الممارسات اللاأخلاقية تقتصر على سوق الفوركس بل ستجدها في جميع الأنشطة الأخرى. بعبارة أخرى، لا يمكن وصم قطاع بأكمله بأنه غير جدير بالثقة لمجرد وجود عدد من معدومي الضمير.