مقدمة
الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي "نعم" و "لا". لا يمكن أن ينهار سوق الفوركس بأكمله، ولكن قد تتهاوى بعض العملات في أي وقت. تختلف الانخفاضات الحادة في أسواق العملات عن تلك التي قد نشهدها في أسواق الأسهم، وذلك من زاوية أن تهاوي الأسعار في سوق الفوركس يؤثر عادة على عملة معينة، وليس كافة العملات مجتمعة. على سبيل المثال، عندما قرر البنك المركزي السويسري فك الارتباط بين الفرنك واليورو، قفزت العملة السويسرية، وأخذت باقي العملات الأخرى في طريقها، فيما بات يعرف حالياً باسم الانهيار اللحظي أو flash crash. وتكرر نفس السيناريو مع الين الياباني في بداية 2019 حين ارتفعت العملة بشكل حاد خلال بضعة لحظات وتسببت أيضاً في انخفاض باقي العملات الأخرى.
الفرق بين انهيارات سوق الأسهم وسوق الفوركس
تختلف الانهيارات في أسواق الأسهم عن تلك التي نشهدها في سوق العملات من زاوية أن تهاوي سوق الأسهم يؤثر عادةً على معظم الأسهم بالنظر إلى أنها جميعاً تتداول بنفس العملة. على سبيل المثال، فإن تهاوي مؤشر S&P 500 سيؤدي غالباً إلى انخفاضات حادة لغالبية أسهم الشركات المدرجة بهذا المؤشر، وهو ما ينطبق على كافة أسواق الأسهم والمؤشرات الأخرى.
على العكس من ذلك، فإن تهاوي أسواق العملات يؤثر عادةً على عملة واحدة، مثل الباوند البريطاني أو الدولار الأمريكي، وهي تظهر عادةً بسبب وقوع أحداث غير متوقعة تخلق صدمة لدى المستثمرين وتدفعهم لبيع العملة المعنية بأقصى سرعة ممكنة. برغم ذلك، فإن صفقات الفوركس تنطوي عادةً على عملتين، مثل زوج GBP/USD، أي الباوند البريطاني مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما يعني أن الدولار سيرتفع في الوقت الذي ينخفض فيه الباوند.
وبناءً على هذا السيناريو، فإنه في الوقت الذي سيعاني فيه مشتري الباوند من انخفاضات حادة في قيمة صفقاتهم خلال فترة الانهيار المذكورة، فإن هؤلاء الذين يجلسون على الجانب الآخر من الصفقة سيحققون مكاسب هائلة بعد الاستفادة من ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الإسترليني.
ينطبق نفس السيناريو على أي عملة أخرى قد تتعرض للانهيار، حيث ستحقق العملات المقابلة لها مكاسب قوية في نفس الوقت الذي تتأكل فيه قيمة هذه العملة في سوق الفوركس.
وتعني حقيقة أن سوق الفوركس يضم عدد هائل من العملات، والتي تمثل كلاً منها بلداً ومنطقة مختلفة، استحالة أن يتعرض السوق بأكمله لحالة من الانهيار لأن كل عملة تتداول في زوج مقابل عملة أخرى، وبالتالي ستستفيد العملة المناظرة من انهيار العملة الأخرى.
ما الذي يسبب انهيار العملات؟
الآن وبعد أن أثبتنا أن سوق الفوركس في مجمله لا يمكن أن ينهار بين عشية وضحاها، حتى برغم أن بعض العملات قد تتعرض منفردة لانخفاضات حادة من وقت لآخر، دعنا نلقي نظرة على أبرز حالات الانهيار التي تعرضت لها أسواق العملات في السنوات الماضية. نود التذكير أولاً بوجود نوعين رئيسيين من الانهيارات السعرية، الأول هي الانخفاضات طويلة الأجل، والأخرى هي الانخفاضات اللحظية. تستمر الانخفاضات طويلة الأمد عادةً لعدة أشهر، وربما سنوات، فيما تحدث الانهيارات اللحظية خلال ثواني ولا تدوم عادةً أكثر من ساعة.
وبغض النظر عن طبيعة الانهيار السعري، يتكبد مستثمري العملة المعنية خسائر فادحة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى محو حساباتهم برمتها.
انهيار العملات على المدى الطويل
يرتبط انهيار العملة على المدى الطويل غالباً بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلد المعني، ولهذا تستمر عادةً لفترات طويلة. تظهر هذه الحالات من انهيار العملات في أغلب الأحوال عندما يواجه البلد المعني أزمة كبرى مثل حدوث انقلاب عسكري أو خروج معدلات التضخم عن السيطرة أو غيرها من التحديات الاقتصادية الكبرى.
على سبيل المثال، تواجه عملة فنزويلا أزمة حادة حيث تهاوت قيمة البوليفار في أعقاب العقوبات الأمريكية التي استهدفت بشكل رئيسي صناعة النفط في البلاد، والتي تعد المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في فنزويلا.
النظام في الحاكم في كاراكاس أيضاً تسيطر عليه حكومة استبدادية ومعزولة من المجتمع الدولي، الأمر الذي عرض اقتصادها لأضرار بالغة. هذا واحد من أبرز الأمثلة على أزمة العملات في الأجل الطويل، والتي يستغرق حلها سنوات طويلة.
برغم ذلك، تظهر هذه النوعية من أزمات العملات طويلة الأمد غالباً في البلدان النامية التي تفتقر لوجود مؤسسات قوية، وتُدار في معظم الأحوال بواسطة حكام مستبدين يطبقون سياسات شعبوية لا تحظى برضا المستثمرين، الأمر الذي يؤثر سلباً في نهاية المطاف على اقتصاد البلد وربما يؤدي إلى انهياره.
احذر من الانهيارات اللحظية
تعرض متداولو الفوركس لصدمة قوية بسبب الانهيار اللحظي والمفاجئ الذي تعرض له الين الياباني يوم 2 يناير 2019، حيث قفزت العملة اليابانية بنسبة تتراوح بين 3-5% مقابل العملات الأخرى، مثل الدولار الأمريكي، في غضون ثماني دقائق فقط.
وأدت هذه القفزة المفاجئة إلى أن يتكبد/يحقق المتداولين الذين لديهم مراكز مفتوحة على الين الياباني خسائر/مكاسب كبيرة. لم تستمر هذه القفزة السعرية سوى فترة وجيزة إلا أنها سببت أضراراً فادحة لمعظم المتداولين حيث أدت إلى تفعيل أوامر إيقاف الخسارة في صفقاتهم البيعية، وهو الأمر الذي أدى في بعض الحالات إلى تصفير حسابات البعض في غضون بضعة دقائق.
وعزى معظم محللي العملات هذه القفزة المفاجئة إلى أنظمة التداول الآلي، خصوصاً في ظل عدم وقوع أي أحداث استثنائية على المستوى الاقتصادي أو السياسي يمكن أن تفسر هذا الانهيار المدوي، والذي حدث خلال عطلة للبنوك اليابانية استمرت أسبوعاً.
وأشار بعض الخبراء إلى أن الانهيار السعري قد وقع بين الساعة الخامسة والسادسة مساءً بتوقيت نيويورك، والتي يطلق عليها عادةً ساعة السحر، نظراً لشح السيولة خلال تلك الفترة بسبب إغلاق أسواق نيويورك في الوقت الذي لم تفتح فيه بعد الأسواق اليابانية.
وأشار بعض الخبراء أيضاً إلى إعلان شركة آبل في هذا الأسبوع عن توقعات ضعيفة للإيرادات بسبب تباطؤ المبيعات في الصين بعد إغلاق جلسة نيويورك، ربما أثار هذا الإعلان مخاوف المستثمرين وحفز بالتبعية هذا الانهيار اللحظي.
انهيار الفرنك السويسري
بعد مضي شهر على تهاوي الين الياباني، تعرض الفرنك السويسري هو الآخر في 10 فبراير 2019 لانهيار لحظي، ولكن أقل حدة، خلال جلسة التداول الآسيوية حيث انخفض بقوة أمام معظم العملات الرئيسية، بما في ذلك الدولار الأمريكي. وعزى معظم المحللين هذا الانهيار اللحظي إلى انخفاض مستويات السيولة حيث كانت الأسواق اليابانية مغلقة في عطلة يوم التأسيس الوطني.
وتعرض الفرنك السويسري لسيناريو مشابه قبل سنوات، ولكن هذه المرة لم يكن مجرد صعوداً لحظياً، حيث قفز إلى مستويات غير مسبوقة في يناير 2015 بعد أن أعلن البنك الوطني السويسري فك الارتباط بين الفرنك واليورو والتخلي عن تثبيت السعر عند 1.20. وأدى هذا الإعلان المفاجئ إلى أن يقفز الفرنك في لحظات بنسبة 20% مقابل اليورو والعملات الرئيسية الأخرى.
ملاحظات ختامية
من المهم الإشارة إلى أن الانهيارات اللحظية ليست بالشيء الجديد على أسواق العملات لأنها كثيراً ما تكررت في الماضي، حتى برغم أن سوق الفوركس، وكما أسلفنا، لا يتعرض في مجمله لانهيار تام في وقت واحد. برغم ذلك، فإن الشيء المثير للانتباه هو أن تكرار الانهيارات اللحظيةغير المبررة والتي لا تفتقر لأسباب واضحة، باتت ظاهرة أكثر شيوعاً في الفترة الماضية. ولهذا ننصح دائماً بإتباع القواعد السليمة لإدارة المخاطر عند التداول في سوق الفوركس حتى تتجنب التعرض لخسائر فادحة عند وقوع الانهيارات اللحظية.