الزخم
يكمن الهدف الرئيسي للتحليل الفني في تحديد ما إذا كانت حركة السعر تسلك اتجاه معين، وبأي قدر من الزخم. يمكننا عادةً تحديد الاتجاه الجديد من خلال ظهور حالة من النشاط السعري كما تعكسها الشموع الظاهرة على الرسم البياني— على سبيل المثال يبدأ الاتجاه الصاعد بتشكيل السعر لسلسلة من القمم والقيعان المتصاعدة. عندما تكون الشموع كبيرة ومتراصة بطريقة متناسقة في اتجاه واحد، فإن هذا سيدفعك للاعتقاد بحدوث اختراق صعودي وبالتالي سيتعين عليك التحرك لاقتناص فرص الشراء. المبدأ الحاكم هو أن الزخم يقود الاتجاه.
ولكن كيف يمكنك الجزم بأن هذا العدد القليل من الشموع سيكون مؤشر موثوق على تحقيق السعر لمكاسب إضافية في المستقبل— بعبارة أخرى هل نحن بصدد اتجاه حقيقي؟ يحدث في كثير من الأحيان أن تعكس حركة السعر اختراق كاذب سرعان ما يتلاشى. تعتبر المتوسطات المتحركة أحد المؤشرات الموثوقة، إلا أن المؤشرات المستندة إليها قد تفوتها عدة فترات زمنية قبل اكتشاف النشاط السعري وظهور الاتجاه الجديد. الدافع الرئيسي نحو اختيار مؤشرات الزخم الفعالة هو الرغبة في اللحاق بفرصة التداول في وقت مبكر قدر الإمكان، وفي نفس الوقت تجنب الوقوع في فخ الاختراقات الكاذبة. وبالإضافة لذلك، يعمل العديد من متداولي الفوركس على الإطار اليومي وهو ما يجعل من قياس الزخم أكثر صعوبة نظراً للتقلبات اليومية التي يشهدها السوق.
الغرض من هذا الدرس هو تحديد المشاكل المرتبطة بالزخم وتقديم استعراض موجز لأهم مؤشراته. احتل البحث عن مؤشرات زخم موثوقة قدر كبير من اهتمام أفضل العقول في مجال التحليل الفني. بادئ ذي بدء، سيتعين التفكير أولاً في مفهوم الزخم من زاوية تسارع وتباطؤ الحركة السعرية. السعر بحكم التعريف هو عبارة عن حركة في الزمن، سواء صعوداً أو هبوطاً أو في نطاق عرضي. إذا كان السعر لا يسجل قمم وقيعان متزايدة — أي يتحرك في مسار أفقي — عندها سيكون لدينا زخم مستقبلي ولكن دون تسارع أو تباطؤ لحركة السعر. وعلاوة على ذلك، يتشابه هذا الأمر مع فكرة الضغط على دواسة البنزين في السيارة كي تتحرك بسرعة 80 ميل في الساعة ثم رفع قدمك لتتراجع السرعة إلى 55 ميل في الساعة. على ذات المنوال، تتسارع حركة السعر لبعض الوقت أحياناً قبل أن تتباطأ سريعاً. بالعودة إلى مثال السيارة، قد يكون متوسط السرعة طوال رحلتك هي 60 ميل في الساعة ولكن يتحقق هذا الرقم عن طريق السير بسرعة تتراوح داخل نطاق من 30 إلى 80 ميل في الساعة.
الفكرة الرئيسية هو أننا حينما نسعى لتحليل السوق من زاوية الزخم فإننا لا ننظر إلى المتوسطات بل إلى نقاط التحول.
انظر إلى الرسم البياني أدناه. الخطوط الظاهرة هي عبارة عن خطوط للانحدار الخطي مرسومة يدوياً، تبدأ بالقرب من أدنى قاع وتنتهي بالقرب من أعلى قمة (والعكس بالعكس). يأخذ الخط الأول على اليسار (الأزرق) مسار أفقي، في إشارة إلى سوق مزدحمة تشهد تداولات عرضية ويغيب عنها مفهوم التسارع أو التباطؤ. إذا دققت في هذا الرسم التوضيحي ستكتشف ظهور العديد من شموع الابتلاع الشرائي والبيعي خلال هذه الفترة.
انظر الرسم البياني أدناه. الخطوط الظاهرة هي عبارة عن خطوط انحدار خطي مرسومة يدويًا تبدأ من أدنى قاع، بينما تنتهي عند أعلى قمة أو بالقرب منها (أو العكس). يُظهر الخط الأول (الأحمر) حركة هابطة، فيما يُظهر الخط الثاني (الأخضر) ارتداد صعودي. لم يدُم كلاً من الهبوط أو الصعود طويلاً. لاحظ أن التراجع قد بدأ في الشمعة ذات الظل العلوي الطويل، والذي يمثل عادةً إشارة هبوطية خصوصًا إذا تشكلت بالقرب من مستوى مقاومة. تلى ذلك موجة تراجع طويلة نسبيًا. انتبه إلى درجة انحدار الخط الأحمر، حيث تبدو حادة للغاية، وهي إشارة إلى أن معنويات السوق قوية. ينتهي التراجع بشمعة القمة الدوارة. يعكس هذا النموذج تردد السوق في ظل صراع بين المشترين والبائعين من أجل السيطرة. يلي ذلك عادةً انعكاس الاتجاه السائد. تأكد ذلك بعد بدء موجة صعودية قوية، كان انحدارها أكثر حدة في إشارة إلى قوة المعنويات الصعودية. ولكن لا تدوم هذه المعنويات القوية عادةً لفترة طويلة، وهو ما تأكد مع التصحيح الهبوطي للسعر، تلاه فترة من التوطيد العرضي يعكسها الخط الأزرق. لاحظ ظهور شمعة دوجي طويلة السيقان بعد شمعتين هبوطيتين، ثم تلاها شمعة صاعدة ذات ظل سفلي طويل. يعطي هذا المزيج إشارة صعودية، وهو ما تحقق بالفعل مع تحرك السعر إلى أعلى في ظل استعداد السوق لمزيد من المكاسب.
يقيس الميل النسبي للانحدار الخطي معدل التسارع والتباطؤ بطريقة صحيحة، ولهذا يمكن اعتباره أفضل مؤشر للزخم، بشرط أن نكون قادرين على تحديد معلمات المؤشر التي ننوي استخدامها — ما هي عدد نقاط البيانات التي يجب تضمينها في القياس ومن أين يبدأ وينتهي خط الانحدار؟. إذا قمنا برسم متوسط متحرك مستمر لميل الانحدار الخطي فسوف نحصل على رسم بياني يفتقد التأثير البصري وبالتالي يصعب تفسيره.
انظر إلى الرسم البياني التالي، والذي يُظهر درجة ميل منحدر خطي لـ 8 فترات. تُظهر الحركة الصعودية الأولى من الدائرة 1 قوة الانحدار، ولكن تبدو الحركة الثانية، من الدائرة 2، أقل قوة حتى عندما تبدو الحركة من الناحية الظاهرية أكثر حدة. حصلنا على نفس درجة الانحدار على جسم الشموع في النافذة العليا عن طريق رسم منحدر خطي يدويًا من أدنى قاع إلى أعلى قمة. ولكن فشلت كلاً من الخطوط المرسومة يدويًا ومؤشر الانحدار، والذي يستخدم عدد ثابت من النقاط، في إظهار الموجة الصعودية التي ستكون أقوى.
نحتاج لشيء آخر لقياس الزخم. الطريقة الأساسية لقياس الزخم هي قسمة السعر الأخير على السعر الذي تم تسجيله قبل X فترات. يعتمد مؤشر الزخم في الرسم البياني التالي على 5 أيام (الإعداد القياسي هو 12 يوم). يعطينا ذلك مؤشر الزخم في النافذة السفلى. لاحظ أن هذا المؤشر بدأ في الارتفاع بمقدار 5 شموع قبل أدنى قاع فعلي في الدائرة 2. بدأ مؤشر الزخم في الدائرة 1 في الارتفاع بعد الوصول إلى أدنى قاع، وهنا يتصرف كمؤشر متزامن وليس كمؤشر رائد.
يعتقد كثير من المبتدئين عند التعرف على مؤشرات الزخم أنهم قد وجدوا المصباح السحري، حيث لا تقتصر ميزة المؤشر على التحرك صعوداً مع ارتفاع الأسعار بل يمكنه أيضاً البدء في الصعود حتى قبل أن يبدأ السعر ذاته في التحرك إلى أعلى.
برغم كافة هذه المزايا تظل لدينا مشكلة، وتحديداً نفس المشكلة التي نواجهها عند قياس الانحدار، والتي تتلخص في عدد الفترات التي يجب أن تدخل في حساب مؤشر الزخم. يمكنك إجراء اختبارات الأداء السابق لإيجاد القيمة المثلى، وبرغم ذلك سيظل المؤشر يعطي إشارات خاطئة عندما تتغير التوجهات السائدة في السوق. قد ترى في بعض الفترات تحركات سعرية كبرى فيما لا تشهد فترات أخرى سوى تحركات طفيفة أو قصيرة المدى. يتغير الحجم المعتاد لحركة السعر بمرور الوقت دون أن ينفي ذلك فكرة الاتجاهية عن حركات السعر الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وهنا تظهر مشكلة المدى الزمني لمؤشر الزخم، حيث أن استخدام عدد قليل من الفترات سوف يخرجك من الحركة المستمرة في وقت مبكر، فيما يؤدي استخدام عدد أكبر من الفترات الزمنية في أن يؤخرك مؤشر الزخم عن اللحاق بالاتجاهات السعرية التي تتكون من عدد محدود من الشموع.
أحد الحلول المطروحة للتحايل على هذه المعضلة هو قياس معدل التغير في شكل نسبة مئوية. يتطابق معدل التغير مع مفهوم الزخم ولكنه يتمتع بميزة إضافية تتلخص في قدرته على قياس مدى التغير. في الرسم البياني التالي، يأخذ الخط المركزي القيمة 100، والتي تعني 100%. عندما يحوم المؤشر حول الخط 100 فإن هذا يعني أن سعر اليوم يتساوى أو يتطابق تقريباً مع السعر في عدد X من الأيام السابقة. أما عندما يرتفع المؤشر إلى 102، فهذا يعني أن السعر أصبح أعلى بنسبة 2% مقارنة بالفترة التي غاب فيها الزخم. قد تعرض بعض برامج الرسم البياني هذه القيم بطريقة مختلفة وهي تظهرها عادةً في شكل خط الصفر أو خط 100%.
نحن نعلم أن الأسعار لا تتحرك دائمًا في خط مستقيم إلى ما لانهاية. تصبح منطقة السعر عند نقطة ما مزدحمة للغاية — ذروة الشراء أو ذروة البيع. يلجأ المتداولون هنا إلى جني الربح، أو إنهاء الاتجاه، أو إعادة التفكير في مراكزهم لأسباب أخرى. على الرسم البياني السابق، تبدأ مرحلة ذروة الشراء عند القراءة 102، فيما ذروة البيع عند 98. تسمح لك معظم برامج الرسم البياني برسم خطوط أفقية لتحديد المكان الذي تعتقد أن السعر يصل عنده إلى ذروة الشراء أو ذروة البيع.
يقودنا ذلك إلى الحديث عن مفهوم القوة النسبية والتي تعني القوة المتغيرة لنفس الأصل وليس قوته مقابل أصل آخر. يعود الفضل في اختراع مؤشر القوة النسبية (RSI) إلى ويلز وايلدر وذلك في كتابه الصادر عام 1978 بعنوان مفاهيم جديدة في أنظمة التداول الفني. قبل استبعاد مؤشر القوة النسبية من حساباتك لمجرد الاعتقاد بأنه قد عفا عليه الزمن، يجب أن تعرف أنه لا يزال حتى اليوم واحد من المؤشرات الأكثر استخداماً نظراً لمزاياه العديدة، والتي من بينها تضمين مفهوم التشبع بالشراء والتشبع بالبيع.
قمنا بمناقشة مؤشر القوة النسبية في درس خاص.
النقطة الهامة التي يمكننا استخلاصها من مفهوم القوة النسبية كمقياس للزخم هو أن المؤشر يتضمن في بناءه الذاتي مستويات خاصة بتحديد مناطق ذروة الشراء وذروة البيع، كما هو مبين في الرسم البياني التالي. مؤشر RSI هو في جوهره نسبة بين متوسط السعر في الأيام الصاعدة إلى متوسطه في أيام الهبوط على مدار فترة زمنية ثابتة، ثم تحويل القيمة الناتجة إلى نسبة مئوية. تكمن المشكلة في RSI وكافة مؤشرات الزخم الأخرى في "مشكلة المعامل" — والتي تعني عدد الفترات الزمنية التي يجب إدراجها في المعادلة.
أحد مؤشرات الزخم الأخرى والذي يستخدم معدل السعر إلى نطاق القمة/القاع الحالي هو مؤشر الزخم تشاند والذي تم شرحه بالتفصيل في كتاب المتداول الفني الجديد. يستخدم مؤشر تشاند الفرق بين قيمة السعر في الأيام الصاعدة والهابطة، كما هو الحال مع مؤشر القوة النسبية، إلا أن طريقة الحساب تبدو مختلفة قليلاً – حيث يتم جمع جميع الأسعار في الأيام الصاعدة وطرحها من جميع الأسعار في الأيام الهابطة، ثم قسمة الناتج على جميع الأسعار في كلا الاتجاهين. يمكنك رؤية ذلك في الرسم البياني أدناه. يشير المتخصصون في علوم الرياضيات إلى أن استخدام كلاً من الأيام الصاعدة والهابطة في الجزء العلوي من المعادلة (البسط) سيؤدي إلى توسيع نطاق القياس وبالتالي يجعل المؤشر أكثر حساسية للحركات الكبيرة.
وكما هو الحال مع مؤشر القوة النسبية، يتم تحويل مؤشر تشاند إلى نسبة مئوية وبالتالي يشير اقتراب السعر من خط الصفر إلى عدم وجود زخم، فيما تشير القراءة على حدود المستوى +50 إلى الدخول في منطقة ذروة الشراء و-50 في الإشارة إلى منطقة ذروة البيع. الميزة الرئيسية في تحويل الزخم إلى نسبة مئوية هو التخلص من مشكلة معامل الفترات الزمنية في مؤشر الزخم الأصلي، حيث ستحمل الحركة السعرية المكونة من عدد صغير من الشموع نفس درجة الاتجاهية من حيث انحدار الترند، تماماً كما يحدث مع الحركة المكونة من عدد كبير من الشموع وهو الأمر الذي يعالجه مفهوم المتذبذب.
إذا كان غرضنا الرئيسي من استخدام الزخم هو اكتشاف ما إذا كان الترند يمر بحالة من التسارع أو التباطؤ، أو الوصول إلى نقطة توقف محتملة (ذروة الشراء/ذروة البيع)، يمكننا الاستعانة بمؤشر الماكد، متذبذب الاستوكاستيك ، وربما أيضاً البولينجر باند. وفي جميع الأحوال، سنكتشف أن دفقات التسارع عادةً قصيرة ومحدودة. قد يتم استئناف التسارع لاحقاً، أو قد لا يحدث ذلك، بحسب ما إذا كان السعر يوجد في منطقة ذروة الشراء أو ذروة البيع. يساعدنا ذلك على تجنب تقييد معامل الفترة الزمنية برقم معين بحيث يتلائم مع الإطار الزمني الذي نستخدمه، ولكن لا تنسى أن هذا الأمر سيؤدي إلى عدم دقة تقديرات مستويات ذروة الشراء وذروة البيع.
الغرض من استخدام هذه الطرق الأربعة لقياس الزخم هو تنبيهك إلى تغير الاتجاه في الحالات التي تشهد تسارع أو تباطؤ حركة السعر، كما يمكنها في بعض الأحيان أن تخطرك بحدوث هذا التغير قبل وقوعه ببعض الوقت. وكما سبق وأوضحنا، الزخم هو الذي يقود الاتجاه. وكما هو الحال دائماً، سيبحث المتداول الذكي عن إشارات أخرى من الشموع ذاتها مثل وجود عدد من شموع الابتلاع الشرائي أو البيعي في منطقة التجمع الأولى، أو عندما تفشل الحركة الصعودية الوسطى في مطابقة وتجاوز القمة السابقة لمنطقة التجمع السعري.
يمكنك استخدام الزخم كنظام تداول قائم بذاته، ولكن ربما من الأفضل الاستعانة بمؤشرات أخرى مثل النماذج والشموع. تستخدم الغالبية العظمى من المتداولين الزخم كمؤشر تأكيدي.