رأس المال المُخَاطِر والتوقعات المعقولة
تقول الحكمة التقليدية أنه يتعين عليك عدم استخدام أي أموال لا تتحمل تبعات خسارتها عند تداول الفوركس. ولكن لنا رأي آخر في هذه المسألة نناقشه لاحقاً. ومع ذلك تظل احتمالات مواجهة مخاطر غير متوقعة أثناء تداول الفوركس مرتفعة للغاية. من أمثلة هذه المخاطر:
- تحرك عشوائي يقوم به متداول آخر عن طريق فتح مركز تداول كبير للغاية في عكس اتجاه صفقاتك؛
- تصريحات مفاجئة من قبل أحد مسئولي البنك المركزي أو وزير المالية؛
- كارثة طبيعية مثل الحروب أو الأعمال الإرهابية؛
والأهم من ذلك كله،
- فشلك في وضع أمر وقف معقول.
يطلق على رأس المال المُخَاطِر هذه الصفة لأن رأس المال العادي لا يتعرض سوى لمخاطر الخسارة العادية. يجب أن يحقق رأس المال المخاطر عائد أكبر لتعويض استثماره في أصول محفوفة بالمخاطرة (الفوركس). وكقاعدة عامة، يجب ألا يستحوذ رأس المال المخاطر على أكثر من 10% من إجمالي رأسمالك. يعني ذلك أنه إذا كانت لديك مدخرات بقيمة 100,000$ فمن الأفضل ألا تتجاوز الحصة المخصصة لتداول الفوركس 10,000$ حتى تستطيع العمل بأريحية.
حقيقة أن تجارة الفوركس تعتبر أكثر مخاطرة من غيرها هي في الواقع محل نظر— إذا نظرت إلى معدل التباين بين الفوركس مقابل الأسهم (باستخدام الانحراف المعياري)، ستكتشف أن بعض الأصول الأخرى أكثر مخاطرة بكثير، خصوصاً الأسواق الناشئة والعديد من السلع بسبب شح السيولة. ولكن تظل هذه الصورة الذهنية مرتبطة بالفوركس بسبب المستوى المرتفع من الرافعة المالية والذي يؤدي إلى مضاعفة المخاطر. على سبيل المثال، إذا خسرت 50% من رأسمالك المبدئي عندها ستحتاج إلى تحقيق عائد 100% للعودة فقط إلى نقطة البدء مرة أخرى. نتوقع عادةً تحقيق عوائد كبيرة في الفوركس، ولكن بالطبع ليس 100% وأيضاً من المستحيل أن يتحقق كل الربح من صفقة واحدة.
ولهذا من الضروري أن تكون على دراية بأن تداول الفوركس ليس بنزهة خالية من المخاطر. هنا يأتي دور التساؤل عن مقدار رأس المال الذي تحتاجه لتحقيق عائد مجزي على المجهودات التي ستبذلها؟ يمكن القول أنه بمقدورك إدارة مخاطرك في الفوركس إذا قمت بكل الإجراءات الواجبة والمتعارف عليها والتي تشمل تعلم المفاهيم الأساسية والفنية وقراءة توجهات السوق؛ رسم المخططات البيانية بطريقة صحيحة؛ الاحتفاظ بالصفقات لفترة معقولة؛ تحديد الحجم الملائم لمراكز التداول؛ وضع أوامر الوقف والربح في مكانها الصحيح، وأخيراً الحفاظ على اتزانك النفسي والانفعالي.
لهذا يمكن القول أن الحكمة التقليدية — لا تتداول بأي أموال لا يمكنك تحمل خسارتها — قد لا تكون صحيحة بالنسبة للجميع. هي بالتأكيد مناسبة لـ 99.99% من المتداولين المبتدئين والذين لا يخصصون الوقت الكافي للقيام بواجباتهم المذكورة. أما إذا كنت تتمتع بالخبرة الكافية يمكنك تخصيص نسبة أكبر من 10% من إجمالي رأسمالك لتداول الفوركس. وبرغم ذلك، يجب أن تبدأ عملك وفق نسبة الـ 10% على أن تزيد لاحقاً بشرط ألا تتجاوز 50% من إجمالي رأس المال.
حصة رأس المال
يقع كافة المتداولين الجدد في غرام الرافعة المالية حيث يبدؤون في تخيل فيض الأرباح التي سيغدقها عليهم السوق وتجعلهم قادرين على مضاعفة رأس المال الأولي عدة مرات خلال فترة وجيزة. يحلم البعض بأنه سيبدأ بـ 1,000$ ولن ينهي العام إلا وقد وصل بهذا الرقم إلى 100,000$ّ! هذه الأرقام بالطبع درب من دروب الخيال، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول ما هي الأرقام الواقعية؟
التفكير الصحيح والعقلاني في هذا الصدد يبدأ من التساؤل حول مقدار الأموال التي ترغب في تحقيقها كمضاعف لرأس المال المبدئي.
رأس المال المستهدف = رأس المال المبدئي + (التوقع× حصة رأس المال لكل صفقة× إجمالي عدد الصفقات)
للحصول على فهم أفضل لمصطلح "التوقع"، يرجى الرجوع إلى درس نسبة المخاطرة مقابل العائد. وباختصار، يشير هذا المصطلح إلى مقدار الربح الذي تتوقع تحقيقه بشكل معقول من كل صفقة بعد خصم الخسائر.
دعنا نفترض أنك خصصت لتداول الفوركس رأسمال بقيمة 10,000$ وترغب في مضاعفة هذا المبلغ خلال عام إلى 20,000$.
لدينا هنا متغيرين يمكن اللعب بهما: متوسط الربح الصافي بعد خصم الخسائر وعدد الصفقات التي تنوي القيام بها خلال العام
إذا كنت تعتقد أنه بمقدورك تحقيق ربح صافي بقيمة 130$ بعد خصم الخسائر، سيكون الحساب على النحو التالي:
إذا كنت قد تداولت الرصيد بأكمله، أي 10,000$، في صفقة واحدة، (فيما يظل التوقع كما هو عند 130$ لكل صفقة)، عندها ستحتاج إلى القيام بـ 76.9 صفقة في العام لمضاعفة رأسمالك:
$20,010 = $10,000 + $10,010 ($130 * 77)
في الواقع العملي يمكن القول أن إجراء 77 صفقة في العام هو عدد محدود للغاية، كما أن تحديد الربح المتوقع لكل صفقة عند 130$ ربما يكون مرتفع للغاية. وبجانب ذلك، لن يكون من الحكمة أن تضع رأس المال بأكمله في الصفقة الأولى، (أو في أي صفقة منفردة)، لأن هذه الصفقة لو كانت خاسرة ستفقد معها 45% من رأسمالك. في هذه الحالة سيتراجع رصيدك إلى 6,500$ (10,000$ - 4,500$). أنت الآن لم تعد تبحث عن مضاعفة رأسمالك بل تحتاج إلى زيادة الرصيد الحالي بثلاثة أضعاف حتى تصل إلى الهدف المتوقع.
ثانياً، يتحدد عدد الصفقات التي تقوم بها خلال العام بشكل رئيسي استناداً إلى مقدار الوقت الذي يمكنك تخصيصه للتداول وأيضاً نظام المتاجرة الذي اخترته. إذا كنت تكرس كل وقتك للتداول فإن الرقم الأكثر واقعية لإجمالي عدد الصفقات يجب ألا يقل عن 240 (عدد أيام التداول خلال العام)، أو مضاعفاتها إذا كنت تنوي تداول نفس الحركة السعرية عدة مرات في اليوم الواحد. إذا افترضنا أنك قررت تخصيص 2,000$ (أو 20% من إجمالي رأسمالك المبدئي) في صفقتك الأولى وكان متوسط العائد الصافي بعد خصم الخسائر هو 30$، عندها يمكنك أن تتوقع تحقيق ربح بقيمة:
$30 * 240 = $7,200
يفترض هذا الوضع أنك لم تخصص أكثر من 2,000$ لكل صفقة وأنك لن تستخدم الأرباح المحققة في الصفقة التالية (أو تمويل الزيادة في حجم الصفقة من رأس المال المتبقي). استخدام الأرباح في الصفقات اللاحقة يطلق عليه أيضاً استراتيجية مارتينغال والذي تملي مضاعفة المبلغ المعرض للمخاطرة بشكل كبير. من الناحية الفنية، تحول استراتيجية مارتينغال المتداول إلى مقامر يسعى لمضاعفة رهاناته بعد كل خسارة حتى تغطي الصفقة الرابحة الخسائر السابقة مع استرداد رأس المال الأصلي. أمضى الإحصائيون وقت كبير في إثبات أن احتمالات حدوث خسارة كارثية أعلى كثيراً من تحقيق ربح مماثل، وذلك لأسباب مختلفة تشمل من بينها الحقيقة غير السارة والتي ترى أن الأسواق قد تتسبب في بعض الأحيان في تكبد سلسلة متصلة من الخسائر العشوائية، تماماً مثل عجلة الروليت.
لتحقيق الربح الذي تبحث عنه سيتعين عليك معرفة العائد المتوقع ووتيرة التداول التي تنوي العمل بها. لدينا أربعة متغيرات في الجانب الأيمن من معادلة رأس المال المستهدف. إذا قمت بتعديل هذه المتغيرات تدريجياً من طرف إلى آخر فسوف تحصل في نهاية المطاف على المزيج الذي يتناسب مع شهيتك للمخاطرة. تأكد فقط من أن هذا المزيج يتلائم أيضاً مع مستوى مهارتك.