ما هي أفضل أنواع التحليلات؟
لكل نوع من أنواع التحليل مزاياه وعيوبه.
مزايا وعيوب التحليل الأساسي
إذا كانت لديك دراية واسعة بالتحليل الأساسي، فإن هذا سيساعدك على تجنب بعض المفاجآت غير السارة، مثل اتخاذ البنك المركزي لقرار غير متوقع برفع أسعار الفائدة. ولكن دعنا نوضح نقطة هامة وهي أن الفهم الجيد للعوامل الأساسية سيخبرك بالاتجاه الذي يجب أن تسلكه العملة، ولكن ليس بالاتجاه الذي من المرجح أن تسلكه. كما أشرنا في الدرس الخاص بالتحليل الأساسي، لا توجد نظرية موحدة لتحديد سعر الصرف، وبالتالي من الوارد جداً استخلاص نتائج خاطئة. على سبيل المثال، تقول النظرية أن رفع البنك المركزي لسعر الفائدة من المفترض أن يؤدي إلى انخفاض العملة بسبب التدفقات العابرة للحدود والتي تستهدف إحداث التوازن بين مختلف الاقتصادات. لا يحدث ذلك على أرض الواقع، على الأقل في الساعات الأولى لاتخاذ القرار، وهي ردة فعل منطقية لسبب بسيط هو أن رفع سعر الفائدة يجتذب رؤوس الأموال وبالتالي يزيد الطلب على العملة ما يؤدي إلى ارتفاع سعرها بدلاً من انخفاضه — هذا بشرط أن تبقى جميع العوامل الأخرى المرتبطة بكلا العملتين على حالها.
تعارض النظريات المفسرة لكيفية تحديد سعر الفائدة والتداخل الذي قد يحدث من بعض العوامل النوعية مثل السياسات الاقتصادية، مناخ الاستثمار، والمتغيرات الخارجية الأخرى (بما في ذلك أسعار السلع)، دفع البعض إلى تعريف التحليل الأساسي باعتباره فن وليس علم. هناك أيضاً كم هائل من المعلومات المتوفرة، وبالتالي من المستحيل أن تتمكن من متابعة كافة البيانات المرتبطة بكل اقتصاد. يدفعنا ذلك عادةً إلى أن نركز جهودنا على مجموعة معينة من التقارير والإحصاءات ما يؤدي إلى احتمالات التغافل عن بعض المعلومات الهامة. الأكثر أهمية هو أننا نميل إلى تفسير المعلومات التي نحصل عليها بشكل يتوافق مع النظريات والأيدولوجيات التي نؤمن بها. من الصعب للغاية، بل من المستحيل أحياناً، عزل الظواهر الاقتصادية عن الإطار النظري. وكما يقول جون ماينارد كينز، وهو واحد من أهم علماء الاقتصاد الذين يكثر الاستشهاد بآرائهم:
الرجال الذين يغلب عليهم الطابع العملي ويعتقدون أنهم معزولون تماماً عن أي مؤثرات فكرية، عادةً ما تكون عقولهم أسرى لأفكار بعض الاقتصاديين القدامى.
من الأمثلة الجيدة على هذه الفكرة هو ما أوردناه في درس السياسة النقدية حين ذكرنا أن غالبية المحللين الماليين كانوا يتوقعون أن التضخم سيرتفع في الولايات المتحدة وبريطانيا كنتيجة حتمية لسياسات التسهيل الكمي. تناسى هؤلاء أن السلطات النقدية قد تضخ كميات هائلة من السيولة في الاقتصاد ثم ينتهي بها المطاف في أرصدة البنك المركزي، دون أن تقوم البنوك بتوجيهها في شكل قروض للقطاع الخاص، كما هو مستهدف، وبذلك لا تؤدي إلى إحداث أي ارتفاع في معدلات النمو أو التضخم على النحو المرغوب. النظرية بحد ذاتها لم تكن خاطئة — حيث أثبتت التجربة التاريخية أن زيادة المعروض النقدي ترتبط بارتفاع مستويات التضخم، ولكن هذا الافتراض يكون صحيحاً في الأوقات التي لا يمر بها الاقتصاد بأزمات تؤثر على عجلة دوران النقود. المحلل المالي الذكي كان سيتوقع أن يكون معدل الدوران مساوياً للصفر وبالتالي سيكون من المنطقي ألا ترتفع معدلات التضخم، وهو ما كان سيساعده على اتخاذ قرارات التداول الصحيحة — ارتفع الدولار الأمريكي أيضاً مستنداً إلى عدة عوامل من بينها التوقعات بحدوث ارتفاع وشيك في التضخم حتى برغم أن هذا التحليل كان خاطئاً.
ستستفيد بكل تأكيد من تخصيص جزء من وقتك لدراسة التحليل الأساسي — حيث يمكن أن يزودك برؤية ثاقبة عن الآليات المالية والاقتصادية التي تحكم الأداء الاقتصادي، وهو أمر قد يكون مفيداً حتى في حياتك العملية خارج نطاق التداول. مثال على ذلك: ستعطيك الدراسة المتأنية لسوق العقارات رؤية حول سعي الشركات الكبيرة إلى تجميع العقارات بأسعار رخيصة بعد أزمة الرهن العقاري سعياً للاستفادة من الإيرادات الإيجارية. يعني ذلك أن الوقت مناسب لك أيضاً للبحث عن بعض العقارات رخيصة الثمن والقيام بتجديدها والاستفادة من عائدات الإيجار. في هذه الحالة ستكون قد استفدت من الدراسات الوافية التي تجريها الشركات الكبرى، والتي ستخلص بالتأكيد إلى أن تراجع وتيرة شراء المنازل سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على الإيجارات.
مقارنة أنواع التحليل
الأساسي |
الفني |
آراء السوق |
|
أفضل المزايا |
مادة ثرية لفهم الأوضاع الاقتصادية
لا توجد مفاجآت |
يخضع للملاحظة التجريبية وبالتالي ينحي العواطف جانباً ويوفر إرشادات واضحة للتداول |
تحليل مباشر للاعبين المؤثرين في السوق |
أسوأ العيوب |
احتمالات الوقوع في فخ المعتقدات النظرية/ الأيديولوجية
قدر هائل من المعلومات |
الحاجة لتغيير المؤشرات كي تتوائم مع تغير الظروف
لا يمكن الاعتماد عليه بنسبة 100% |
الحكم على معطيات متناقضة
تنطوي على درجة عالية من التخمين |
مزايا وعيوب التحليل الفني
الميزة الرئيسية في التحليل الفني هو اعتماده على الملاحظة التجريبية وبالتالي تجنب الوقوع في فخ الانحياز إلى النظرية/الأيدولوجية كما هو الحال في التحليل الأساسي. برغم ذلك، قد يواجه المحلل الفني معضلة مشابهة حيث لا يخلو هذا الجانب هو الآخر من بعض المعتقدات السائدة وإن بدرجة أقل. على سبيل المثال، يستخدم كثيرون متذبذب الاستوكاستيك لتحديد فترات ذروة البيع أو الشراء التي تمر بها إحدى العملات. ولكن يحدث في بعض الحالات الخاصة، مثل تشكل اتجاه قوي على المدى الطويل، أن يعطي الاستوكاستيك إشارات على ذروة البيع وبدرجة ترجح حدوث انعكاس وشيك، وهو ما لا يتحقق لفترات قد تمتد لأسابيع أو حتى شهور. يفقد متذبذب الاستوكاستيك فائدته مع الاتجاهات التي تستمر لفترات طويلة. في واقع الأمر، تعاني كافة المتذبذبات التي تتحرك في نطاق يتراوح بين 0 إلى 100 (أو بعض التنويعات المشابهة) من نفس المشكلة. ولكن ما يحدث في الواقع العملي هو أن المحلل قد يقع في غرام المتذبذبات ويؤمن بصحتها المطلقة دون أن ينتبه لعيوبها القاتلة.
أحد المزايا الأخرى للتحليل الفني هو أنه يساعدك على تجنب العواطف. قد يراودك اعتقاد بأن الاعتبارات الاقتصادية لا تبرر القوة التي يتمتع بها الين في الوقت الحالي، فيما تخبرك المؤشرات الفنية أننا بصدد اتجاه قوي وليس لديك خيار سوى التماهي معه، طالما كنت تريد أن تظل متداول ناجح. في هذه الحالة قدم التحليل الفني إرشادات حكيمة وواضحة للتداول، والتي ربما ساعدتك على تجنب الأفكار المتناقضة التي يمكن أن تستخلصها من التحليل الأساسي.
وبرغم كل هذه المزايا، يظل التحليل الفني معتمداً على بيانات السعر في الماضي، وبالتالي لا يوجد أي من مؤشراته يحمل في طياته قدرة تنبؤيه أو استشرافية لما سيحدث في المستقبل. صحيح أننا نفترض أن بعض المؤشرات تمتلك هذه القدرة على التنبؤ، ولكن في حقيقة الأمر يعتمد هذا الافتراض على فكرة مفادها أن سلوك المتداولين في الماضي سوف يتكرر في المستقبل. في الواقع العملي، لا يحدث هذا التكرار بصورة متطابقة. على سبيل المثال، يتأكد نموذج القمة المزدوجة عند كسر السعر أسفل خط العنق حيث نتوقع حينها أن يبدأ جميع المتداولين — والذين من المفترض أنهم يشاهدون نفس النموذج على الرسم البياني — في البيع بمجرد تجاوز خط العنق. يحدث الهبوط بالفعل في كثير من الأحيان، ولكن ليس في كلها، كما من الوارد أن يتراجع السعر لمسافة محدودة لا تتطابق مع متوسط نطاق الحركة الذي نتوقعه. أيضاً من الوارد أن يوجد تعارض من بعض المؤشرات الفنية الأخرى التي تعطي إشارات معاكسة لتلك الصادرة عن نموذج القمة المزدوجة، مثل أرقام فيبوناتشي أو حتى توقف الحركة الهبوطية عند إحدى القيعان الهامة، وبالتالي نقع في حيرة التوفيق أو الاختيار من بينهما.
ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق عند استخدام التحليل الفني هو عدم وجود إحصاءات موثوقة عن مدى كفاءة أي من المؤشرات المستخدمة في السوق. قد تجد إحصاءات دقيقة عن فترات زمنية محددة وفي أسواق بعينها، ولكن من يضمن أن تستمر ظروف السوق على ما كانت عليه خلال الفترة القادمة. كما تتغير إشارات المؤشرات أيضاً باختلاف السوق المالية. فالمؤشر الذي يحقق نتائج جيدة في أسواق النفط لن يحقق بالضرورة نفس النتائج في أسواق الأسهم أو العملات. ستلاحظ أيضاً أن المؤشرات التي تؤدي بشكل جيد اليوم قد يختلف أدائها تماماً في السنة التالية.
مزايا وعيوب تحليل آراء السوق
يفضل المتداولين المخضرمين مثل جورج سوروس استخدام تحليل آراء وتوجهات السوق على الاستعانة بالتحليلات الفنية والأساسية. ويرى هؤلاء أن تحليل توجهات السوق سوف يظهر بشكل واضح سيكولوجية المتداولين وبالتالي يسهل توقع التحركات السعرية القادمة. إذا نجحت في تحديد العوامل الأكثر تأثيراً على توقعات غالبية المتداولين، يمكنك عندها تخمين الطريقة التي سيتحرك بها السوق لاحقاً. الفكرة الأساسية في تحليل توجهات السوق هي التوقعات، بغض النظر عن مدى صواب أو خطأ تحليلات المتداول.
يستخدم محللو توجهات السوق أدوات مختلفة تتراوح بين استخراج البيانات، مثل دراسة مرات تكرار كلمة معينة في الأخبار، وصولاً إلى الاستعانة ببعض الإحصاءات، مثل تقرير التزامات المتداولين والبيانات الأخرى عن طبيعة مراكز التداول، فضلاً عن التعليقات الصادرة عن المسئولين الحكوميين والتي قد تحاول في بعض الأوقات تضليل السوق عن عمد. على سبيل المثال، حين صرح محافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أن البنك المركزي على استعداد لاتخاذ كافة الخطوات الضرورية لمجابهة الكساد الاقتصادي فور ظهوره، قوبلت هذه التصريحات في بعض الأوقات بنوع من الاستهتار، وفي أوقات أخرى أُخذت على محمل الجد. تصريحات دراجي كانت متطابقة في كلا المناسبتين حيث قلل من أهمية بعض الإشارات الانكماشية، ولكن في المرة الثانية أضاف إلى تصريحاته أن مجلس محافظي المركزي الأوروبي قد ناقش سياسة التسهيل الكمي وبعض الخيارات الأخرى. وخلال الفترة التي مرت بين التصريح الأول والثاني لدراجي، تخلى رئيس البنك المركزي الألماني عن معارضته لسياسة التسهيل الكمي. هنا يكمن الفارق في طريقة تفاعل المتداولين مع تصريحات دراجي. في المرة الأولى، كان خيار التسهيل الكمي غير مطروح للنقاش. ولكن في المرة الثانية، بدت الفكرة مطروحة على الطاولة. في هذه الأثناء، حدث تغير في توجهات جموع المتداولين من "الاستبعاد التام للتحليل الكمي" إلى "إمكانية تطبيق التسهيل الكمي". لا يعني ذلك أن غالبية المستثمرين كانوا متأكدين من إقدام المركزي الأوروبي على إطلاق برنامج لشراء الأصول، بل بالأحرى زادت احتمالات اللجوء إلى هذا الخيار من صفر، إلى 50% مثلاً، وهو ما دفع المتداولين الذين لديهم مراكز شرائية على اليورو للبدء في إغلاق صفقاتهم. المتداولين الأذكياء كانوا قد بدأوا بالفعل في تقليص مراكزهم الشرائية بمجرد تصريح رئيس المركزي الألماني، وأصبحوا جاهزين لفتح صفقات البيع بمجرد تكرار دراجي لتصريحاته السابقة.
هذا التغير المؤسسي يذكرنا بالفترة التي استخدم فيها جورج سوروس التحليل الأساسي لاستخلاص نتيجة مفادها أنه قد جرى ربط الباوند بالمارك الألماني عند سعر صرف مرتفع للغاية في عام 1992 في إطار آلية أسعار الفائدة الأوروبية. سافر سوروس للقاء العديد من كبار المسئولين في كلاً من بريطانيا وألمانيا وجهاً لوجه. ما كان يبحث عنه تحديداً ليس ما إذا كانت البنوك المركزية سوف تتدخل للحفاظ على سعر صرف الباوند مقابل المارك، ولكن ما إذا كانت ألمانيا ستكون مستعدة للتضحية بمصالحها الذاتية المتصورة عن طريق السماح بتقارب أسعار الفائدة لتخفيف الضغط على الإسترليني. خلص سوروس إلى نتيجتين هامتين، الأولى هي أن ألمانيا لن تضحي بأي شيء على مستوى السياسة الداخلية لتحقيق مصلحة بلد آخر. النتيجة الثانية كان مفادها أن المسئولين عن إدارة الملف الاقتصادي ليس لديهم تقدير سليم لردود فعل الأسواق، وحتى إن وجد مثل هذا التقدير، فهم يرون أن تقلب أسعار الصرف لن يكون حافز كافي لتغيير السياسة النقدية.
لا يزال سوروس يحمل لقب “الرجل الذي هزم بنك إنجلترا المركزي” منذ أكثر من 20 عام، فيما لا تزال القصة برمتها نموذج واضح على كيفية تطبيق تحليل توجهات السوق في التداول الحقيقي. نجح سوروس في رسم سيناريو صحيح لمسار الأحداث، حيث تنبأ أنه بمجرد أن يعي المتداولون حاجة بريطانيا لتغيير سعر الفائدة استجابة للمتطلبات الاقتصادية، فيما حكومة لندن غير قادرة على تنفيذ هذه الإصلاحات دون التخلي عن ربط سعر صرف الباوند بالمارك، فإن هذا الوضع المعقد سيؤدي في نهاية المطاف إلى دفع الباوند للتراجع بهدف إحداث أزمة للسلطات النقدية. دفع المتداولون عن عمد في اتجاه اختبار مدى قوة نطاق الحركة المسموح به للباوند مقابل المارك في ظل تباين المسارات الاقتصادية في كلا البلدين. وتوقع سوروس بشكل صحيح أن المتداولين سيسعون لاختبار سعر الصرف الثابت عدة مرات، كما توقع أن ينضم المزيد منهم إلى صفوف بائعي الباوند بمجرد أن يكتسب هذا الاتجاه قدر كافي من الزخم. توقعات سوروس كانت في الحقيقة فرصة تاريخية لتحقيق أرباح هائلة قدرها البعض في ذلك الوقت بأكثر من مليار دولار، رغم أن الرقم الحقيقي لا يعرفه سوى السيد سوروس نفسه.
تعد هذه الحادثة، والتي جرت في عام 1992، مثال واضح على كيفية فهم العوامل الأساسية واستخدام الاعتبارات المؤسسية لرسم سيناريو محدد، ثم الرهان على تحقق هذا السيناريو استناداً إلى الفهم العميق لسيكولوجية المتداولين. يمكن أن نضيف أيضاً في هذا الصدد الادعاء بأن أي محلل فني كان سينظر إلى الرسوم البيانية خلال تلك الفترة ويلاحظ تجميع موجة البيع لكتلة حرجة من الزخم، كان سينضم إلى صفوف بائعي الإسترليني دون الحاجة لإجراء أي تحليلات أساسية أو دراسة لتوجهات السوق على الإطلاق.
لا يوجد نوع تحليل أفضل من غيره، كما يمكن لأي متداول أن يستوعب أنواع التحليل الثلاثة طالما خصص الوقت والجهد اللازم لذلك. يمكنك التداول مستنداً إلى نوع واحد من التحليلات، مثل التحليل الفني، ولكن ستجنب نفسك كثير من المخاطر إذا كنت ملماً بكيفية استخدام باقي أنواع التحليلات. قصة نجاح سوروس بدأت مع استخدام التحليل الأساسي، ولكن لم تكن تلك هي نقطة تميزه، حيث كان يشاركه عدد كبير من المحللين نفس الرأي — ما نجح فيه سوروس تحديداً هو قدرته على تحديد تتابع حلقات السيناريو من خلال تخمين أن دفعة بسيطة سوف تؤدي إلى إحداث حركة واسعة من شأنها أن تتحول في نهاية المطاف إلى تسونامي هائل.