متداولي الفوركس من الأفراد مقابل المتداولين في بنوك الاستثمار
برغم أن حسابات الأفراد (التجزئة) لا تشكل سوى جزء صغير للغاية من إجمالي حجم التداول في سوق العملات الأجنبية، والبالغ 7.5 تريليون دولار يوميًا، إلا أن هذه الشريحة استحوذت على حصة متزايدة طوال السنوات الماضية بعد أن أصبح الفوركس أحد فئات الأصول الشائعة. تشير تقديرات بنك التسويات الدولية في الاستطلاع الذي يُجريه كل 3 سنوات إلى أن حسابات التجزئة نفذت معاملات بقيمة 94 مليار دولار فقط من إجمالي حجم التداول اليومي في أبريل 2022 والذي بلغ 2.1 تريليون دولار.
قد يبدو هذا الرقم صغيرًا، ولكن تذكر أنه في أبريل 2001، سجلت تعاملات فئة "العملاء غير الماليين" (والذين يدخل تحتهم المتداولين الأفراد) 58.3 مليار دولار من إجمالي حجم التداول الفوري آنذاك، والذي بلغ 387 مليار دولار يوميًا. وفي أبريل 2022، بلغت تعاملات جميع "العملاء غير الماليين" 150 مليار دولار، أي 7% من إجمالي حجم تداولات السوق الفورية. علاوة على ذلك، أظهر استطلاع لجنة سوق الصرف لدى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الذي صدر في 2023 أن إجمالي تداول العملاء غير الماليين في أكتوبر 2023 قد بلغ نحو 7% من إجمالي صفقات الفوركس.
الحافز الرئيسي لتداولات التجزئة هو الرغبة في كسب الأموال، وهو نفس الدافع الذي يقف خلف تداولات البنوك الاستثمارية. وفي حين يستخدم متداولي التجزئة ونظرائهم في البنوك الاستثمارية العديد من الأدوات نفسها إلا أن المتداول الذي يعمل في بنك استثماري يمتلك العديد من الميزات الفريدة.
المتداول في بنك الاستثمار
توفر بنوك الاستثمار رواتب مجزية إلا أنها تضع صاحبها أيضاً أمام مسئولية كبيرة. هؤلاء ينطبق عليهم بشكل كبير المقولة التي ترى أن "تقييم أدائك يرتبط دائماً بأداء صفقتك الأخيرة". فقد يحقق المتداول إنجازات رائعة في إحدى الأعوام ثم يجد نفسه مطروداً من البنك في العام التالي. هناك عدد لا يحصى من القصص التي تتحدث عن متداولين تحطم مستقبلهم وتركوا وظائفهم بعد رحلة ناجحة. برغم ذلك، يظل العمل كمتداول لدى مؤسسة مالية كبرى كفيلاً بالحصول على العديد من الامتيازات.
بخلاف الاستفادة من الحدود المرتفعة لحجم مراكز التداول مقارنة بما يتوفر للمتداولين الأفراد – مئات الملايين من الدولارات بدلاً من بضعة آلاف، يتوفر أيضاً للمتداول في بنك الاستثمار إمكانية الوصول إلى بيانات العملاء والتي تساعده على تشكيل قرارات التداول بصورة أفضل. وبالإضافة إلى ذلك، يخلق الحجم الهائل لبعض الصفقات التي يتم تنفيذها من خلال بنك الاستثمار فرصة سانحة للمتداول في هذا البنك "بالركوب على ظهر" مثل تلك الصفقات، وهي ميزة أخرى هائلة.
كمثال على ذلك، قد يكتشف أحد متداولي اليورو بعد الاطلاع على بيانات العملاء في البنك الذي يعمل به أن هناك اتجاه شبه يومي للخروج من مراكز شراء اليورو بالتوازي مع تراجع زوج EUR/USD بشكل مطرد من 1.1000 إلى 1.0700 خلال تلك الفترة، وبينما اليورو يتداول عند المستوى 1.0725، قد يبدأ المتداول في ملاحظة ظهور توجه جديد، بحسب بيانات عملاء البنك، نحو شراء اليورو وعندها قد يرى فرصة سانحة لشراء EUR/USD مرة أخرى.
وبالمثل، قد يحصل أحد متداوليUSD/JPY على معلومة حول نية أحد عملاء البنك شراء 250 مليون دولار عند سعر الصرف 102.50. عندها سيتوقع المتداول أن يؤدي هذا الأمر إلى دفع سعرUSD/JPY للتحرك صعوداً وبالتالي قد يقرر الدخول في صفقة شراء بقيمة 270 مليون دولار ليستفيد هو من الربح المحقق من الـ 20 مليون دولار الإضافية بعد ارتفاع السعر.
هذه الاستراتيجيات ليست دائماً ناجحة إلا أنه من زاوية معدل المخاطرة/العائد فإنها تحقق عادةً بعض الأرباح أو على الأقل تتجنب الخسائر.
إحدى الامتيازات الأخرى التي يتفوق بها المتداولين في بنوك الاستثمار عن نظرائهم من متداولي التجزئة هو قدرتهم على التهرب من المسئولية عن بعض الخسائر المحققة.
لنفترض أن متداول يحتفظ بمركز تداول كبير في سوق العملات ثم حدث شيء غير متوقع مثل انقلاب عسكري أو كارثة طبيعية (مثل الزلزال والتسونامي الذي ضرب اليابان في 2011). عندها لن يفكر البنك في طرد هذا المتداول أو يحمله المسئولية عن خسارة الأموال لأنه من الصعب توقع مثل هذه الظروف. على النقيض من ذلك، فإن حدث مثل تسونامي اليابان سيكون كفيل بمحو حساب المتداول العادي والذي لن يلومن إلا نفسه.
متداول التجزئة
قطع متداولي الفوركس من الأفراد شوط طويل منذ منتصف التسعينات حين بدأت تداولات التجزئة تطفو إلى السطح. قبل هذه الفترة، كان الشخص الذي يتداول في العملات لحسابه الخاص يواجه العديد من العقبات مثل عدم قدرته على الحصول على مصدر مستقل لبيانات الأسعار أو تعرضه للتلاعب من قبل شركات الوساطة، كما لم تتوفر لديه القدرة على الوصول إلى نفس نوعية البيانات التي يحصل عليها متداولي البنوك.
يدين متداولي التجزئة بالفضل إلى رويترز، والتي قدمت إلى السوق خدمة رويترز لبيانات السوق (RMDS) في مطلع الثمانينات. وكانت تلك الخطوة مقدمة لنظام رويترز الحالي للمعاملات في الأسواق المالية. وخلال السنوات التالية، ازدهرت التجارة الإلكترونية ليس فقط لدى البنوك الكبرى بل امتدت أيضاً إلى ساحة تداولات التجزئة. وفي لحظة لم تكن في الحسبان، بات بمقدور كافة المتداولين، الكبير منهم والصغير، الوصول إلى نفس مستويات الأسعار المنخفضة كما بدأت منصات التداول الإلكتروني في إتاحة البيانات المالية وبات بمقدور الجميع الحصول على الأخبار الهامة في نفس الوقت. أدت هذه التطورات إلى تقليص بعض المكاسب التي كانت تحققها البنوك الاستثمارية من تداول العملات وإن ظلت محتفظة بميزة الاطلاع على بيانات التعامل الخاصة بعملائها.
في وقتنا الحالي، يبدأ متداول التجزئة يومه بنفس الطريقة وربما في نفس الوقت الذي يبدأ فيه متداول بنك الاستثمار مزاولة عمله. كلا النوعين من المتداولين يستيقظ من نومه ليطلع على أسعار الفوركس الحالية، معدلات الفائدة، وأسعار السلع ثم ينتقل إلى قراءة الأخبار السياسية والاقتصادية التي حدثت البارحة، كما ينظر إلى مستويات إغلاق الأسهم العالمية قبل أن يتخذ قرار التداول بشأن العملة التي ينوي تداولها في الجلسة المقبلة. ومن الناحية العملية، يحتاج كلا المتداولين إلى وضع أوامر إيقاف الخسارة وجني الأرباح خلال اليوم ويستعدان لتحمل المسئولية عن تنفيذ هذه الأوامر.
نصيحة:
لا تحسد المتداول في البنك الاستثماري أو تندب حظك لأنك متداول بالتجزئة. يواجه متداولي البنوك ضغوط مستمرة لتحقيق الأرباح مع مطلع كل صباح من أشخاص ورؤساء لا يروقون لهم. على العكس من ذلك، يتمتع متداول التجزئة برفاهية عدم ممارسة التداول على الإطلاق في أي يوم يراه غير مناسب. لست بحاجة إلى فتح كل صفقة تلوح في الأفق — وهو خيار ليس متاحاً دائماً لمتداولي البنوك.