التداول على المدى الطويل
يشير مصطلح التداول على المدى الطويل إلى الاحتفاظ بالصفقة (من الدخول وحتى الخروج) لفترة تزيد عن أسبوع وتصل أحياناً إلى عدة أشهر. الميزة الرئيسية في طول فترة الاحتفاظ بالصفقة هي أنه بمجرد تحديد الاتجاه ستتمكن على الأرجح من تحقيق أرباح أكبر من تلك المحققة من الدخول والخروج في عدة صفقات على فترات زمنية أقصر. لا تقتصر فوائد هذا النهج على توفير تكاليف المعاملات بل ستوفر عليك أيضاً الكثير من الوقت. ولكن يبقى العيب الرئيسي في أن الاتجاهات لا تتحرك دائماً في خط مستقيم وهو ما سيعرضك لضغوط عصبية خلال فترات الارتداد والتصحيحات التي لا مفر منها. كما يجب أيضاً أن تثق تماماً في قدرتك على التفرقة بين الارتدادات العادية وحالات انعكاس الاتجاه.
الأهم من ذلك هو أن التداول على المدى الطويل ينطوي عادةً على المزج بين التحليل الأساسي والتحليل الفني وهي عملية معقدة وصعبة كما قد تعرضك لمخاطر تبني فكرة غير صائبة أو غير ملائمة بالنسبة لصفقتك. عندما يوجد انفصال بين ما يظهره الرسم البياني في مقابل ما تملي حدوثه الفكرة أو الإيدلوجية التي تتبناها فإن الحل العملي الوحيد هو التخلص من هذه الأفكار والأيدولوجيات تماماً. يبنى جوهر التحليل الفني على مفهوم الملاحظة التجريبية. وإذا تعارضت الملاحظات في الواقع العملي مع الافتراضات النظرية، عندها نكون بحاجة إلى التخلص من عبء النظريات وإلقائها بعيداً. قد يبدو هذا الأمر صعباً على الطبيعة البشرية ولكنه حتمي لتحقيق النجاح. على سبيل المثال خسرت منظمة السلام الأخضر (غرينبيس) ، وهي جمعية خيرية تدافع عن القضايا البيئية، نحو 3.8 مليون يورو نتيجة الرهان على انخفاض زوج اليورو مقابل الدولار الأمريكي بعد قرار البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في يونيو 2014. يبدو الخطأ واضحاً بالقدر الكافي – تميل أسعار العملات إلى الانخفاض بالتوازي مع انخفاض أسعار الفائدة. ولكن في حالة اليورو تداخلت عوامل أخرى ذات وزن وتأثير أكبر مثل تفضيل المستثمرين لليورو على المدى الطويل بسبب مصداقية البنك المركزي الأوروبي في مكافحة التضخم فضلاً عن توقعات باستمرار السياسة النقدية التوسعية لبنك الاحتياطي الفيدرالي .
يميل المتداول على المدى الطويل إلى استخدام الرسم البياني اليومي، مع الاطلاع على المخططات الأسبوعية وحتى الشهرية لتأكيد تحليلاته. دعنا نلقي نظرة على الرسم البياني الشهري لزوج GBP/USD. سجل الزوج أعلى قمة أثناء حركته العرضية، والتي تلت الموجة الهبوطية بسبب الأزمة المالية العالمية في 2008، عند 1.71898 في يوليو 2014، فيما سجل أدنى قاع في أكتوبر 2016 عند 1.14754، والتي وصلها بعد تهاوي سعر الجنيه الإسترليني في أعقاب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أي شخص كان قادرًا على تحليل الوضع في المملكة المتحدة أثناء تلك الفترة كان سيحقق مكاسب كبيرة من فتح صفقات بيع على الباوند. دعنا الآن نلقي نظرة على المحاولات الفاشلة للتعافي. لاحظ أن الارتداد من القاع دفع السعر في أبريل 2018 للوصول إلى 1.43762 – وهو ما يتلاقى مع حاجز 50% فيبوناتشي. كان بإمكان المحلل الذكي توقع تطور هذه الموجة التصحيحية قبل عام من حدوثها، وعندها كان سيشتري على حدود 1.29246. ولكن ربما تتساءل، هل كان المتداول الذي يتبنى توقعات صعودية على المدى الطويل سيظل مشتريًا للجنيه الإسترليني طوال الوقت حتى بدابة 2024 على أمل حدوث التعافي في أي لحظة؟ لا يكشف هؤلاء الذين ينخرطون في تداولات طويلة المدى عن تلك المعلومات، ولكن هناك عدد كبير من صناديق التحوط التي تتداول على اتجاهات الاقتصاد الكلي، وربما بعض صناديق الثروة السيادية، تستخدم هذه الطريقة بالفعل.
لاحظ أن هذه الصفقة كانت ستعاني من خسارة فادحة في سبتمبر 2022 ولفترة طويلة – استمرت أكثر من سبع سنوات – بسبب التداول العرضي داخل نطاق متسع. سيلاحظ أي شخص يحكم على أداء التداول على أساس سعر السوق اللحظي أن الصفقة لن تحقق سوى مكاسب ضئيلة.
ربما تكون النسخة الأكثر إرضاءً من تلك الصفقة طويلة الأجل هو تقصير أجلها – إلى أشهر، وليس سنوات. انظر الرسم البياني الشهري في الشكل التالي. لدينا هنا قاع مزدوج تم تأكيده عند الخط الأفقي الأحمر بالقرب من 1.24477. تجاوز السعر بعد عدة أسابيع خط المتوسط المتحرك الأخضر لفترة 10 أسابيع (50 يوم). لدينا إشارة شراء مؤكدة عند 1.26798 في يونيو 2023. ولكن لسوء حظ المشترين، فإن البيانات النهائية على هذا الرسم البياني تُظهر أن المكاسب على أساس سعر السوق لا تتعدى 28 نقطة.
توضح هذه الصفقة الرابحة سمتين رئيسيتين للتداول على المدى الطويل: السمة الأولى هي أنك بحاجة للتحلي بالصبر، واستخدام المؤشرات، حتى في أبسط صورها مثل نموذج القاع المزدوج والمتوسط المتحرك لفترة 10 أسابيع طالما كانت لديك ثقة كاملة بها. ربما كان بمقدورك استخدام مؤشرات أخرى كانت ستحفزك على الدخول في وقت أقرب، ولكن تذكر أنك هنا لا تتداول بشكل نشط من خلال دخول السوق والخروج منه بشكل متكرر. أنت تفضل الاحتفاظ بمركزك لعدة أشهر، واستغرقت هذه الصفقة بالفعل سبعة أشهر. السمة الثانية هي أن المكاسب المحققة في الفترة ما بين الدخول والخروج في الصفقات طويلة المدى يمكن أن تكون هائلة إذا توقعت تحرك السعر بشكل صحيح وتحليت بالصبر الكافي.
كما أشرنا آنفًا، هناك نسخة أخرى لهذه الصفقة طويلة الأجل من خلال تقصير إطارها الزمني واستخدام الرسم البياني اليومي. كان الدخول سيحدث في وقت أقرب إذا استخدمت إشارة قطع السعر أعلى المتوسط المتحرك لفترة 50 يوم، حيث كنت ستفتح صفقتك في نوفمبر بدلاً من يوليو عند سعر 1.24282. بلغت المكاسب على أساس سعر السوق اللحظي في نهاية بيانات الرسم البياني 282 نقطة. يعتبر ذلك ربحًا كبيرًا، لاسيما وأنه قد تم تحقيقه باستخدام مؤشر واحد بسيط. يُظهر الرسم البياني أيضًا خطوطًا قطرية تشير إلى عمليات الارتداد المؤقتة، وهو أمر مقبول بالنسبة للمتداول على المدى الطويل. يظهر أيضًا خط للدعم باللون الأحمر يتحرك بالتوازي مع قناة الانحدار الخطي لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا دون الكسر أدناه. لن يشعر المتداول على المدى الطويل بالذعر ويخرج من صفقته بسبب وجود ارتداد في الاتجاه العكسي، ما لم يتطور لاحقًا إلى الكسر خارج القناة نفسها. علاوة على ذلك، من المفترض أن هذا المتداول كان يتابع الأخبار التي تتحدث عن تعافي الاقتصاد البريطاني وتجاوزه مخاطر حدوث أزمة مالية كبيرة، جنبًا إلى جنب مع تعليقات البنك المركزي بشأن استبعاد خفض أسعار الفائدة قبل الربع الثالث من عام 2024.
يستخدم هذا المثال مؤشرات بسيطة وأساسية بعيداً عن أي تعقيدات وهو ما يؤكد أن التداول على المدى الطويل لن يكون أكثر صعوبة أو إرهاقاً من التداول اليومي. تستغني استراتيجيات التداول على المدى الطويل عن مؤشرات الزخم والتذبذب حيث يقتصر عملها على الاستعانة بالمؤشرات المتتبعة للاتجاه. العيب الرئيسي في الاقتصار على استخدام مؤشرات تتبع الاتجاه دون غيرها هو أنها قد تعطيك إشارات خاطئة في الأسواق العرضية والتحركات غير الاتجاهية.