لماذا تتغير أسعار صرف العملات؟
سترى سعر اليورو في أحد الأيام عند 1.12758، وبعدها بعشرة أيام سيصبح 1.09437. (هذه الأسعار هي القمة التي وصلها الزوج في 18-07-2023 والقاع الذي سجله في 28- 07-2023). تغير السعر بمقدار 341 نقطة ليس أمرًا استثنائيًا. سنتحدث لاحقًا عما هو طبيعي، وكيف نعرف ما هو غير الطبيعي، ولكن دعنا نؤكد في هذه اللحظة أن أسعار الفوركس يمكن أن تتحرك بعيدًا جدًا، وبسرعة فائقة.
ما هي أسباب التغيير؟ الإجابة الواضحة هي أن متداولو اليورو كانوا بصدد تغيير آرائهم حول قيمة اليورو ذاته أو قيمة الدولار. في واقع الأمر، بما أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين أو حتى يستطيع تخمين القيمة الحقيقية، فإن ما يفعله متداول اليورو هو تخمين ما سيفكر به الآخرون في المستقبل حول السعر المناسب لليورو أو الدولار. إذا قام متداول اليورو بالبيع اليوم عند 1.12758، فهذا لأنه ببساطة يفسر بعض البيانات أو الأخبار المتعلقة باليورو على نحو سلبي، والتي وفق تقديره ستجعل الآخرين غير راغبين في شراء العملة بنفس سعر اليوم. هذا المستقبل قد يكون بعد دقيقتين، أو يومين، أو أسبوعين، ولكن تكمن مهارة المتداول في تعيين درجة الاحتمال للطريقة التي سيفسر بها باقي السوق البيانات أو الأخبار.
وبعبارة أخرى، فإن متداول اليورو يقرأ عقول الآخرين حول مستقبل الطلب على العملة الموحدة.
قد يبدو هذا التحليل سخيفاً بعض الشيء إلا أنه طريقة دقيقة لوصف مراحل عملية التداول. هناك ثلاثة عناصر رئيسية يستند إليها تخمين متداول اليورو.
المكون الأول: الرسم البياني
دخول اليورو إلى منطقة "ذروة الشراء". يشير هذا المصطلح إلى أن معظم متداولي اليورو كانوا يعتقدون بأن العملة يجب أن تتحرك صعوداً وبالتالي قاموا ببناء مراكز شراء ضخمة. قارئ الرسم البياني لا يهتم ما إذا كان رأي بقية السوق صحيحاً، بل يركز على اعتقاد مفاده أن الحركة الصعودية قد تمت بالفعل وبالتالي بدأ المتداولون الآخرون في الوصول بمستويات الاستثمار، بناءً على وجهة النظر الصعودية، إلى مستويات مفرطة أو مبالغ فيها.
إذا كان الجميع قد اشتروا اليورو بالفعل وبالتالي نفذت أرصدتهم النقدية أو الائتمانية في محاولة زيادة حيازاتهم من مراكز الشراء، عندها قد لا يتبقى مشترون بالقدر الكافي في السوق. في هذه الحالة سيتخذ السعر مساراً هبوطياً بالتوازي مع بدء المشترون في تسييل مراكزهم لاستعادة الأموال ثم ضخها لاحقاً في صفقات جديدة. قد يستخدم قارئ الرسم البياني احدى المؤشرات الفنية لتحديد ما إذا كان السوق قد وصل إلى مرحلة الاستثمار المفرط أو ما يطلق عليه ذروة الشراء. المؤشر الأكثر استخداماً هو مؤشر القوة النسبية أو RSI. كما يستخدم أيضاً متذبذب الاستوكاستيك.
من الضروري ملاحظة أنه لا يمكننا الحصول على أحجام تداول دقيقة عند تجارة الفوركس مقارنة بما يسعنا الحصول عليه عند تداول الأسهم. إذا افترضنا أن هذه البيانات كانت متوافرة سنلحظ أنه بالتوازي مع صعود السعر يحدث تناقص في أحجام التداول. التفاوت بين ارتفاع الأسعار وانخفاض أحجام التداول هو نموذج كلاسيكي في أسواق الأسهم لقياس ما إذا كانت الورقة المالية قد وصلت إلى مرحلة ذروة الشراء. ولكن للأسف لا تتوفر مثل هذه المعلومات الهامة في أسواق العملات.
المكون الثاني: العوامل الاقتصادية
السبب الوحيد لشراء شيء ما هو استخدامه أو بيعه في وقت لاحق عند سعر أعلى. لا يستخدم متداول الفوركس على الأرجح عملات اليورو التي بحوزته في الإنفاق على سلع وخدمات، بل ينتظر زيادة إقبال الآخرين على استخدام القوة الشرائية لليورو في شراء العديد من الأشياء والتي قد لا تقتصر على الأسهم بل تشمل أيضاً الأوراق المالية المقومة باليورو. ولهذا يحرص متداولي الفوركس على متابعة الأخبار ومؤشرات الاقتصاد الكلي التي من المتوقع أن تؤثر نسبياً على القوة الشرائية لليورو مقابل الدولار، مثل معدلات التضخم (أو الانكماش)، زيادة الأجور، متانة الوضع الاقتصادي وغيرها من مؤشرات الاقتصاد الكلي. في بعض الأوقات قد ترى إجماع في السوق حول الاقتصادات التي تحقق نمو والوتيرة التي تتحرك بها معدلات هذا النمو، جنباً إلى جنب مع الاقتصادات التي تواجه مشاكل في الوقت الحالي والتي من وجهة نظرهم يتعين على حكوماتها وبنوكها المركزية اتخاذ خطوات لعلاجها. كقاعدة عامة، يتم تبسيط فهم المتداول للأوضاع الاقتصادية بشكل مفرط قد يصل إلى الأساسيات والتي قد لا تزيد في بعض الأحيان عن الإلمام ببضعة كلمات لوصف قراءة إحدى المؤشرات، ولكن برغم ذلك ستفاجئ أن هذه المعرفة البسيطة والخالية من أي تعقيدات قد تكون كافية لتحريك الأسواق.
المكون الثالث: الأخبار
يشكل الاقتصاد الكلي الخلفية التي يستخدمها المتداولون في الحكم على الأخبار. ربما الخبر الأكثر أهمية في هذا السوق هو الإعلان عن أي تغيير في أسعار الفائدة أو غيرها من برامج التيسير/التشديد النقدي من قبل البنك المركزي. أحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو قرار سعر الفائدة الذي أعلنه الاحتياطي الفيدرالي في 27 يوليو 2023. قرر البنك المركزي آنذاك رفع أسعار الفائدة في محاولة لاحتواء تفاقم التضخم، وأرسل إشارة مفادها أنه من المرجح أن يرفع سعر الفائدة مرة واحدة على الأقل قبل نهاية العام. ساهم هذا القرار في دعم الدولار الأمريكي، وهو ما ينعكس على الرسم البياني في شكل انخفاض حاد لقيمة اليورو أمام العملة الأمريكية. من المثير للاهتمام أن زوج EUR/USD كان يتراجع بوتيرة أسرع قبل إعلان سعر الفائدة، مقارنةً بالخسائر التي تكبدها بعد إعلان هذا القرار. هذا النمط من سلوك السعر ليس بالأمر غير المألوف، لاسيما إذا كانت النتيجة متوقعة وجرى تسعيرها في السوق بالفعل، وبالتالي لم يجد المستثمرون مفاجأة في قرار رفع الفائدة. عكس الزوج اتجاهه في اليوم التالي مباشرةً بعد أن أعلن البنك المركزي الأوروبي هو الآخر عن رفع سعر الفائدة. ومرة أخرى، كان زوج العملات يرتفع بوتيرة أكثر قوة قبل إعلان قرار البنك المركزي الأوروبي برفع سعر الفائدة، مقارنةً بالمكاسب التي حققها بعد ذلك، وهو ما يعزى أيضًا إلى توافقه مع توقعات المتداولين.
من الصعب القول أن الدولار قد عكس تراجعه السابق بسبب اعتقاد المتداولين في نتائج بعض البيانات الاقتصادية في كلا الاتجاهين — هنا يمكن أن تعزى الحركة السابقة إلى قرار الفائدة الفيدرالية والتوقعات برفع إضافي للفائدة في المستقبل.
يمكنك استخدام جدول أسعار الفائدة المتاح عبر موقعنا للاطلاع على أسعار الفائدة الحالية المطبقة لدى كبرى البنوك المركزية في العالم فضلاً عن التواريخ التي تم فيها إجراء أخر تغيير على معدلات الفائدة.