نظرية موجات إليوت
وضع نظرية موجات إليوت رالف نيلسون إليوت في عام 1938 في كتاب بعنوان نظرية الموجات وشرح أطروحاته بشكل أكثر تفصيلاً في كتاب صدر عام 1946 بعنوان قوانين الطبيعة: سر الكون . ذاع صيت النظرية بعد أن تناولها روبرت بريشتر وأي. جي. فروست في كتابهم الذي صدر عام 1978 تحت اسم مبادئ نظرية إليوت: مدخل لفهم سلوكيات السوق . ألف بريتشر 14 كتاب عن سلوك الأسواق ركز فيها جميعاً على الأفكار الواردة في نظرية موجات إليوت.
يتبنى مفهوم موجات إليوت العديد من اللاعبين البارزين والناجحين في السوق، بما في ذلك مدير صندوق التحوط بول تودور جونز . لاقت موجات إليوت صدى واسع في أسواق الفوركس حيث بدأ استخدامها منذ العام 1982. وحتى يومنا هذا يمكنك أن تجد مئات الكتب التي تتحدث عن موجات إليوت فضلاً عن العديد من البرامج التي تضطلع بمهمة تحديد الموجات ورسمها نيابة عن المتداول.
ولكن على الجانب الآخر يرى عدد لا بأس به من اللاعبين البارزين والناجحين أيضاً في السوق أن موجات إليوت غير مثبتة علمياً كما أن تطبيق أفكارها يتم بطريقة ذاتية وغير موضوعية. أحد كبار علماء الرياضيات بينوا ماندلبروت ، وبرغم أنه ليس أحد المتداولين في السوق، يشكك في القيمة التنبئية لموجات إليوت. ألف ماندلبروت العديد من الكتب والمقالات حول الطبيعة الجزئية للأسعار المالية. كما يشير العديد من علماء الرياضيات إلى أن البيانات التجريبية (والتي تأتي عادةً من سوق الأسهم) لا تستوفي شروط تحقيق أي استدلال إحصائي.
أفضل طريقة لإثارة الجدل بين مجموعة من العقلاء هو رفض أفكار موجات إليوت باعتبارها نظرية سخيفة. تُظهر معظم الرسوم البيانية التي تغطي فترات طويلة نسبيًا أن الأسعار تميل إلى تشكيل نماذج تُشبه الموجات. واحدة من أفضل الطرق "لرؤية الأمواج" هو رسم قناة انحدار خطية على طول المخطط اليومي لحركة السعر. أُنظر إلى الصورة التالية على سبيل المثال. يُظهر هذا الرسم البياني الأسعار اليومية لحركة EUR/USD خلال الفترة من أكتوبر 2022 إلى يوليو2023. تظهر بوضوح خمسة اتجاهات صعودية برفقة التصحيحات المصاحبة لها.
إذا حاولت تطبيق ترقيم موجات إليوت أو التفاصيل الأخرى الواردة في النظرية ستكتشف من الممارسة العملية أن أسعار السوق نادراً ما تعطي ترقيم واضح يكفي للخروج بتنبؤات محددة المعالم. يرى مؤيدو موجات إليوت أن هناك دائماً استثناءات أو أطر زمنية خاطئة، كما قد يجدون عذر آخر في أن الموجات لا تسلك بالضرورة المسار المفترض في النظرية بشكل نموذجي.
هذا هو السبب في أن موجات إليوت لم يتم التحقق منها علمياً – مع ملاحظة أنه يمكن اختبار الفرضية مراراً وتكراراً في العلوم المادية بل ويجب أن يكون الجميع قادرين على تكرار نفس النتائج؛ ولهذا يطلق على الفرضية التي لم يتم إثباتها بعد عدة محاولات متكررة أنها "كاذبة" ويتم استبعادها. الأمر لا يسير على هذا النحو دائماً. فبرغم أنه لم يسبق إثبات صحة افتراضات موجات إليوت بطريقة علمية بحتة إلا أن عدد كبير من المتداولين لا يزال يؤمن بها ويتصرف على أساس هذا الاعتقاد. يحتاج المتداولون الجدد إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا يرغبون حقاً في إنفاق الوقت والجهد لتعلم قواعد إحدى النظريات التي فشل العلم في إثبات فرضياتها. يفترض المنطق السليم أنك لن تقدم على ذلك، ولكن تظل موجات إليوت ومكونها الرئيسي، أرقام فيبوناتشي أحد الأدوات التي يشيع استخدامها في سوق الفوركس وبشكل يجعلها في كثير من الأحيان أقرب إلى النبوءة التي تحقق نفسها بنفسها، تماماً كما هو الحال عندما يتم كسر خط الدعم. إذا كان غالبية المشاركين في السوق، أو على الأقل عدد كبير منهم، تؤمن بنتيجة معينة فإنهم قد ينجحون في فرضها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. ولهذا يمكن القول أن تعلم بعض أساسيات موجات إليوت يظل مفيداً على الأقل باعتباره أحد أدوات الدفاع الذاتي عند إدارة استراتيجيات التداول.
المفهوم الأساسي لنظرية إليوت هو أن سيكولوجية السوق تحرك السعر في البداية داخل موجة دافعة صعودية أو ما يطلق عليها موجة "حركية"، يتبعها عمليات جني أرباح أو ظهور أفكار ثانية، أو أي أسباب أخرى تؤدي إلى ظهور موجة تصحيحية هبوطية – ولكنها لا تصل إلى نقطة البداية. هناك ثلاثة موجات دافعة صعودية تتخللها تصحيحات بسيطة وبعد الوصول إلى أعلى قمة يأخذ التصحيح النهائي شكل ثلاثة موجات، اثنتين منها هبوطية وواحدة صعودية في المنتصف. تتكون متسلسلة موجات إليوت الكاملة من ثمانية موجات في المجمل.
تلي الموجة الدافعة الصعودية الأولى موجة هبوطية تصحيحية. وبعد هذه الموجة التصحيحية يظهر حماس المشترين مجدداً لتحمل معها السعر صعوداً في موجة دافعة ثانية، يتبعها مرة أخرى موجة تصحيحية لا تتجاوز قاع التصحيح السابق. بعد ذلك تظهر الموجة الثالثة والتي ينظر إليها عادةً باعتبارها الموجة الأخيرة وتكون عادةً هي الأكبر حجماً بين جميع الموجات. تصبح كافة السيناريوهات مفتوحة بعد إتمام الموجة الصعودية الثالثة بما في ذلك ظهور موجة رابعة أو خامسة أو حتى انتهاء الحركة السعرية تماماً. ولكن في الغالب يفضل محللي موجات إليوت الخروج بالقرب من قمة الموجة الصعودية الثالثة قدر الإمكان. انظر الرسم البياني التالي والذي يظهر الموجات الصعودية وهي تحمل أرقام فردية (1، 3، 5) بينما تأخذ الموجات التصحيحية أرقام زوجية (2، 4):
أحد الأفكار الراسخة في هذا الصدد هو أن السعر يميل إلى تشكيل "ثلاث موجات صعودية"، وذلك رغم أننا نلاحظ ظهور خمسة موجات صعودية في سوق الفوركس بشكل شائع. برغم ذلك، تعتبر الموجات التصحيحية هي الأكثر تعقيدًا وصعوبة في رصدها بسبب بنية الموجة الصغيرة ، لذا تُخصص لها حروف بدلًا من الأرقام. تأخذ الموجة الهبوطية الأولى الرمز a، يليها تصحيح طفيف ثم تصحيح معاكس في اتجاه الموجة الأصلية، والتي يُطلق عليها b، ثم موجة هبوطية ثالثة يطلق عليها c. يلجأ بعض المحللين إلى تعقيد الأمور بتسمية المجموعة الأولى بحروف كبيرة والمجموعة الثانية بحروف صغيرة، فيما تُسمى الموجات المُصغرة داخل الموجة ذات الأحرف بأرقام رومانية. يُظهر الرسم البياني الأخير ما الذي حصل بعد وقوع الأحداث الموضحة في الرسم البياني السابق. هذا هو التصحيح ثلاثي الموجات.
سيطرح منتقدي النظرية بالقطع فكرة أن ترقيم وتسمية هذه الموجات ربما تم بطريقة غير صحيحة. وتلك في الواقع مشكلة كبيرة تواجهها نظرية موجات إليوت – حيث لا توجد طريقة واحدة يمكن الجزم بصحتها عند ترقيم الموجات. وحتى أنصار إليوت أنفسهم يعترفون بأنه سيتعين عليك البدء مراراً وتكراراً إذا تبين في منتصف الطريق أنك قمت بترقيم الموجات بطريقة خاطئة. إذا نظرت إلى رسم بياني تم تجهيزه بواسطة أحد محترفي موجات إليوت سيبدو الترقيم واضح وكافة الأمور الأخرى لا لبس فيها. ولكن عندما تقوم أنت بهذه المهمة ستكتشف أن الأمر مختلف تماماً.
الميزة الرئيسية في موجات إليوت هو أن فكرتها الأساسية "الموجات الحركية والتصحيحات" تتطابق بشكل كبير مع سلوكيات المشاركين في السوق. يتلاشى الحماس والزخم الأولي عادةً وبالتالي تبدو فكرة جني الأرباح منطقية ولكن مع استئناف الحركة الصعودية يبدأ الزخم الصعودي هو الآخر في الانتعاش والظهور مرة أخرى. لا يوجد شيء سحري في هذا الطرح فهو أمر يحدث على كافة الأطر الزمنية. من غير الواضح ما إذا كان إليوت نفسه كان على دراية بالطبيعة الجزئية الكاملة للأسواق، حيث لم تكن أبحاث ماندلبروت قد ظهرت للوجود عندما كان إليوت يمارس عمله، مع العلم أن إليوت كان ينسب ما نطلق عليه اليوم الطبيعة الجزئية إلى سلوك السوق. أحد الجوانب الأكثر غموضاً في نظرية إليوت هو أن إليوت وأتباعه الذين أتوا لاحقاً كانوا يؤمنون بأن أرقام فيبوناتشي هي "سر الكون". يبدو هذا الطرح بالطبع مبالغاً فيه بدرجة كبيرة رغم أننا أيضاً قد نقع في نفس الخطأ في بعض الأحيان.